|
مرحبًا بكم مرةً أخرى في صندوق أدوات GIJN، حيث نستطلعُ أحدثَ الأدوات والتّقنيات للصّحفيين الاستقصائيين. سنتناو هذه المرّة ثلاث أدواتٍ جديدة -أو انتشرت مؤخّراً- للبحث في السّريّة الماليّة والمكاسب الخفيّة من الفساد أو الجريمة.
وبطبيعة الحال، هناك مصادر رئيسيّة ومستقّرة للتّحقيق في السّريّة الماليّة، بما في ذلك لوحة التّحقيقات الشاملة في غسل الأموال التي جمعتها AML RightSource، وقاعدة بيانات OpenCorporates الضّخمة، وقاعدة بيانات الاستيراد والتصدير Panjiva، وAleph وهو الأرشيف العالميّ لبيانات تتبُّع الأموال الذي بناه “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد” (OCCRP). ولكن الأدوات الأكثر تحديدًا قد تحلّ مشاكل معيّنة في تحقيقات الفساد، والأدوات الجديدة التي سنشاركها هنا قد تساعدُ في العثور على تلك القطعة الأخيرة في لعبة التّركيب الكبيرة التي تم تجميع بقية قطعها من مصادر أخرى.
تذكّر أن الالتزام بالأمن الرّقميّ أمرٌ مهمٌّ في هذه التّحقيقات، حيث أن المُتَنفِّذين أصحاب الأموال غير المشروعة قد يستخدمون أساليب شرّيرة للحفاظ على سرّيةِ تفاصيل ثرواتهم وممتلكاتهم.
هل يمكن أن يكون المدير التّنفيذيّ الذي برزَ اسمه في تحقيقك عن التهرُّب الضريبي مرتبطًا بدكتاتورٍ أجنبيّ أو منظّمة إرهابيّة؟ هل يمكن أن يكون ممثلُ جماعةِ الضّغطِ في أحد القطاعات الذي يزور رئيسك، خاضعًا لعقوباتٍ اقتصاديّة أو عقوبات سفر، أو أن يكون هنالك تضاربٌ في مصالحه كسياسيّ؟
تمكِّنُ قاعدةُ البيانات مفتوحةِ المصدرِ الجديدة OpenSanctions الصّحفيين من الوصول سريعًا إلى خيوطٍ محتملة عن “الأشخاص موضع الاهتمام” عالميًا، الذين يُعرَّفون بشكلٍ عام على أنّهم أفراد قد يكون لهم تاريخٌ متقلِّب ينطوي على مخالفاتٍ تؤثّر على العامّة، بالإضافة إلى سياسيين لهم أسماء كبيرة (والأشخاص المرتبطين بهم). قد يرغب الصّحفيون في تتبُّع هذه الخيوط. ويمكن أن يؤدّي الحصول على هذه المعلومات إلى العمل على قصص جديدة، أو توسيع نطاق استقصاءٍ ما. كما أنها طريقة للتّحقُّق من قواعد البيانات الأكبر وقوائم المساهمين أو جماعات الضغط أو المقاولين الحكوميين بحثًا عن عقوباتٍ قائمة، وتضارب المصالح المحتَمل، وغيرها من مؤشّرات الخطر. ولكن انتبه: الكثير من الأسماء المدرَجة على الموقع – مثل أبناء رئيس الوزراء البريطاني السّابق “توني بلير” وأحفاد الرّئيس الأمريكيّ السّابق “دونالد ترامب” – لم يُتَّهم أصحابها بارتكابِ مخالفاتٍ في أي نظامٍ قضائي، ولكن أسماءهم ظهرت ببساطة بسبب ارتباطهم بالسّياسة.
ويقول مؤسِّسُ المشروع “فريدريش ليندنبرغ“ – الذي قاد في السّابق فريق البيانات التابع لــ OCCRP – إنه بعد بضعة أشهر فقط من جمع البيانات الآلي، باتت قاعدة البيانات تضمّ بالفعل ملفّات تعريفٍ متصلة لـ 140,000 شخص ممن قد يكونون موضع اهتمام المحققين، بما في ذلك 24,000 شخص خاضع للعقوبات وعشرات الآلاف من الأشخاص “المعرَّضين سياسيًا”. وهو المصطلح الذي يُطلق بشكلٍ عام على الأشخاص الذين يملكون سلطةً على الأموال العامة. ويقول إن مشروعه يتضمّن أيضًا تفاصيل عن 50,000 شخص إضافي تربطهم صلاتٌ بالأشخاص الأساسيين.
في حين يمكن شراء قوائم “مؤشّرات الخطر” التّجارية الموثوقة عبر منصّات مثل LexisNexis و Refinitiv، يقول “ليندنبرغ” إن OpenSanctions تقدّم نظامًا مجّانيًا وسهل الاستخدام مصمّمًا خصيصًا لصحفيي البيانات.
في أبسط حالاته، يمكن أن يعمل الأرشيف كمحرّك بحثٍ بسيطٍ يبحث عن الأشخاص موضع الاهتمام. وعندما أدخلت شبكة GIJN اسمَ رجل أعمال مرتبطٍ برئيس جنوب أفريقيا السّابق “جاكوب زوما” في شريط البحث في الأداة، كشف النّظام على الفور أن الرجل كان قد وُضِع على قائمة العقوبات الماليّة البريطانيّة في عام 2021، بالإضافة إلى تفاصيل القيود الدّوليّة الأخيرة المفروضة على بعض أقاربه.
ومع ذلك، يقول “ليندنبرغ” إنه من المرجّح أن يكون أكثر فائدة كأداةٍ لوضع العلامات للمشاريع الاستقصائية الكبيرة أو العابرة للحدود. في مثل هذه الحالات، يمكن للصحفيين مقارنة قوائم الأشخاص من OpenSanctions بمجموعاتِ بياناتِ التّحقيقات الكبرى ضمن أدوات مثل DataShare من الاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين (ICIJ) أو Aleph التابعة لـ OCCRP. (يمكن الاطّلاع على مثالٍ في هذا الرابط).
قال “أعتقد أن الجزء الأروع هو استخدام أداة الاكتشاف” وقارنه بالمادّة الملوّنة التي يحقنُ بها الأطباءُ المرضى قبل تصويريهم بجهاز الرّنين المغناطيسيّ، لتسهيل اكتشاف المناطق التي تعاني من مشاكل. قال إن النّظام قادرٌ على تحويل الأسماء غير المألوفة في جدول البيانات إلى أشخاص ذوي أهمّية محتملة للصّحفيين، بسبب قدرتهم على الوصول إلى الأموال العامة أو بسبب انتهاكاتهم السّابقة للقواعد.
“على سبيل المثال، دعونا نفترض أن 750 ألف شخص مدرجون في أوراق بنما. معظم هؤلاء هم مجرّد رجال أعمال يتجنبون دفع الضّرائب، وهذا عمومًا ليس غير قانوني. ولكن مع OpenSanctions، يمكنك أن تنظر إلى مجموعة البيانات الضّخمة بحثًا عن هذه النّسبة الصغيرة المهمّة من منظور المساءلة: إذا تمّت الإشارة إليهم كمتورّطين في الإرهاب أو غسيل الأموال، أو إذا كانوا سياسيين بالإضافة لكونهم رجال أعمال، أو إنْ خضعوا للعقوبات.
يمكن للمراسلين ممن لديهم مهارة تجميع البيانات أيضًا تشغيل قوائمهم الخاصة بالأشخاص على البيانات باستخدام تطبيقاتٍ مفتوحةِ المصدر مثل OpenRefine. ثم يقدم OpenSanctions نظامَ نقاطٍ بالرّسوم يوضح درجةَ تأكُّدِ الخوارزميّة في أن الشّخص الذي ظهر في نتيجة بحثه هو نفس الشّخص الموجود في مجموعة البيانات التي قارن بها.
وقال “ليندنبرغ” عن OpenSanctions “لقد تضاعف حجم الأرشيف أربع مرات في الأشهر الأربعة الماضية. أحاول أن أجعل هذا موردًا مفيدًا للقطاع بأكمله.”
يمثّلُ تتبُّع الأموال غير المشروعة إلى البنوك الخارجيّة بطريقةٍ سريعة وقانونيّة تحدّيًا كبيرًا للصحفيين الاستقصائيين، نظراً للحواجز التّقنيّة المختلفة والقوانين المتداخلة حول خصوصية البيانات والتّصيُّد الاحتيالي والسرّيّة المصرفيّة في جميع أنحاء العالم.
هنالك خوارزميّة جديدة للمُلكيّة تمّ تطويرها في المملكة المتحدة – يستخدمها المحامون في المقام الأول للعثور على أموال خفيّة في حالات الطّلاق والتقاضي — تقدم وسيلةً محدودةً ولكنّها قد تكون ملفتةً للصّحفيين الذين يستقصون عن حالات الفساد الكبرى لإيجاد خيوط توصل إلى الأموال الخفيّة دون خرق قوانين أو قواعد الخصوصيّة.
تسعى شركة GreyList Trace – وحسب ما جاء في موقعها فهي شركةٌ خاصّة متخصّصة في تتبُّع الأصول، وتسعى إلى “تتبُّع عائدات الاحتيال والفساد إلى الحسابات المصرفيّة المخفيّة بطريقةٍ أخلاقيّة وقانونيّة”. لا تخرق خوارزميّتها جدران البيانات المصرفيّة، ولا تسعى إلى الكشف عن أرصدة الحساب. وبدلاً من ذلك، يكشف البرنامج عن احتمالية وجود حسابات عن طريق اختبار الاتّصالات المسبقة بين الشخص موضع الاهتمام وأقسام المعاملات في المصارف المنفردة.
مؤسِّس GreyList Trace “بوب دوفيلد“، كان صحفيًا استقصائيًا ومنتجًا في هيئة الإذاعة البريطانيّة، أسهم في تبرئة عدد من الأشخاص الأبرياء الذين كانوا يقضون أحكامًا بالسجن مدى الحياة في السّجون البريطانيّة. ويزعم أنه على الرغم من القيود والقواعد المتعلّقة بخصوصيّة البيانات، فإن خوارزميّة شركته تمثّل الطّريقة القانونيّة الوحيدة للكشف عن فئات معيّنة من الأموال المخفيّة، وأن التقارير التي أنتجتها الخوارزميّة قُبلت كدليل في إجراءات المحاكم.
يقول “دوفيلد” إن النظام الجديد لم يستخدم بعد في تحقيقٍ صحفيّ منشور، ولكنه قادر على إنشاء خيوط حاسمة حول مكان إخفاء الأموال العامّة المسروقة.
قال أن نظام التتبُّع يعمل كالتّالي:
– العميل – وقد يكون غرفة أخبار – يقدّم عنوان بريد إلكترونيّ لشخصٍ أو موظّف عمومي يشتبه في امتلاكه أصولاً ماليّة مخفيّة؛
– تحوّل الخوارزميّة هذا البريد الإلكتروني إلى حزمة رمز، وترسلها إلى فلاتر سيرفر البريد الإلكتروني لكل بنوك العالم وفروعها البالغ عددها 220،000 – ولكن لا ترسلها أبدًا إلى البنوك نفسها.
– يقيس النّظامُ وقتَ استجابةِ تلك الفلاتر لهذا الرمز، والتي تختلف استنادًا إلى ما إذا كان قسمُ المعاملاتِ في البنك قد تعامل سابقًا مع البريد الإلكترونيّ الأصلي، أو أدرج هذا العنوان في “القائمة البيضاء”. بعد ذلك تدمّرُ حزمةُ الرّمز نفسها.
– تُنشئ الخوارزميّة في غضون أسابيع تقريرًا بالبنوك التي أُشير إليها بأنّ لها تاريخ حسابٍ محتملٍ مع الشّخص المعني.
هذه النقطة الأخيرة بالغة الأهميّة. والنّتيجة “الإيجابية” ليست إلا مؤشّرًا قويّاً على وجود اتّصال مالي – ولا يمكن لـ GreyList Trace معرفة ما إذا كان الاتّصال ما يزال مستمرًا. لذا، ستكون هنالك حاجة إلى المزيد من البحث الصّحفي باستخدام موارد أخرى لتأكيد الحسابات النّشطة أو تحديد الأرصدة.
ويشرح “دوفيلد”: “ما يجعل هذا الأمر قويًا جدًا هو أنه مصممٌ ليكون قانونيًا. الخوارزميّة لا تعمل داخل النّظام المصرفيّ؛ إنّها تقوم باستنتاجٍ قائم على الاحتمالات على أساس استجابةِ نظامِ الفلترةِ الذي يحمي سيرفرات البريد الإلكتروني المصرفية للخوارزميّة”.
ويشدّد “دوفيلد” على أن غرف الأخبار يجب ألّا تفكّر في استخدام خدمته إلا في الحالات التي يشير فيها البحث التّقليديّ مسبقًا إلى وجود أموال مخفيّة مشتبه بها في قضايا المصلحة العامة المهمة، وليس فقط لأغراض الاستكشاف. “إذا جاء إلينا صحفيٌّ وقال: “أتساءل عمّا إذا كان لنجم الروك هذا حساباتٌ خارجيّة” – هذا ليس الغرض من الخوارزميّة”، في إشارة إلى الطّلبات المجانية لوسائل الإعلام. “ولكن يمكننا بالتأكيد أن نقوم بعملٍ عرضي لمشروعٍ مهم في عالم المصلحة العامّة الخيريّة.”
وبينما تدعم الشّركة أهدافَ صحافةِ المساءلة، يقول “دوفيلد” إن الشركة لا يمكنها إلا أن تستجيب لمقترحات غرف الأخبار العرَضيّة للحصول على تقريرٍ مجّاني أو بكلفة مخفّضة – على غرار الطريقة التي ينظر بها بعضُ مزوديّ صور الأقمار الصّناعيّة الربحيّة في طلبات وسائل الإعلام. ومن النّاحية التّجاريّة، تتقاضى الخدمة حوالي 1350 دولاراً للبحث عن اتصالات مصرفيّة لبريدٍ إلكترونيّ واحد، بالإضافة إلى 1350 دولاراً أمريكيًا أخرى لكل بنك يتم العثور عليه، والحد الأقصى هو ثلاثة بنوك.
قاعدة بيانات تسريبات الأوفشور مع Pandora
منْ يقف فعلاً وراء شركات الأوفشور أو صناديق الملاذات الضريبيّة التي تظهر في تحقيقك؟ من هم السياسيون الذين يخفون تضارب المصالح السرّيّ من خلال شبكات الشّركات المتداخلة؟
أُضيفت الشّهرَ الماضي معلوماتٌ عن “المالكين المستفيدين” لـ 000 15 شركة ومؤسسة أوفشور (خارجيّة) إلى قاعدة بيانات تسريبات الأوفشور الواسعة بالفعل، التي جمعها الاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين (ICIJ) ليستكشفها الجمهور. يضمُّ الأرشيف الآن أكثر من 740,000 شخصًا وشركة كامنة وراء هياكل الأوفشور السرّيّة.
تمثل هذه البيانات أوّلَ شريحةٍ يمكن البحث فيها من أوراق باندورا، التي كشفت عن حساباتٍ أوفشور سريّة لـ 35 من قادة العالم الحاليين والسابقين وأكثر من 100 ملياردير ومشهور في تحقيقٍ تعاونيّ نُشر في تشرين الأول/أكتوبر. بالإضافة إلى ذلك، يتم تمثيل الأشخاص والجهات من مجموعة البيانات الجديدة في رسوم سهلة الفهم باستخدام أداة Neo4j، حتى يتمكن الصحفيون من رؤية الاتصالات في لمحة من خلال النقر على رموز العقدة.
في الوقت الذي تعذّر فيه نشر بعض السجلات من 11.9 مليون وثيقة مسرَّبة بسبب قوانين الخصوصية – مثل السجلات المصرفيّة والمعاملات النّقديّة – تقول “دلفين رويتر“، صحفية البيانات لدى الاتّحاد الدّولي للصحافة الاستقصائيّة، إنه من المرجح أن يتم نشر بيانات إضافيّة لأوراق باندورا قريبًا. ومن شأن ذلك أن يُدعِّم سريّة البيانات الماليّة المأخوذة من أربعة مشاريع استقصائية تمّ تحميلها بالفعل إلى قاعدة البيانات، بما في ذلك أوراق بنما وأوراق برادايس.
تقول رويتر: “نعمل الآن على هيكلة بياناتٍ إضافيّة من أوراق باندورا، والتي نأمل أن ننشرها دفعةً واحدة في الأشهر المقبلة. وتضيف أن الاتّحاد الدّولي للصحافة الاستقصائيّة لا يمكنه نشر بيانات من مقدّمي خدمات الأوفشور الأربع عشر الذين يغطيهم تسريب باندورا، “لأن الجودة والهيكل مختلفان كثيرا”.
تأتي البيانات المنشورة حديثًا من اثنين من مقدّمي الخدمات: مكتب محاماة من بنما، ووكالة شركة وهميّة في جزر فرجن البريطانيّة.
تدعو “رويتر” الصّحفيين أن يتذكّروا – كما كان الحال مع التّحقيقات الأربعة السابقة في مجموعة البيانات – أن سجلات أوراق باندورا تمثّلُ بياناتٍ كانت دقيقةً وقتَ أخذ تلك السجلّات. ويتعين على الصّحفيين، من أجل تحديث البيانات، الوصول إلى المصادر الحاليّة، مثل سجلات الشركات.
وتقترح أيضًا أن يحاول الصحفيون تغيير طريقة كتابة الأسماء عند البحث عن الشركات – مثلاً لو كنت تبحث عن شركة محدودة ابحث عن “limited” و”ltd”- واستخدم علامات الاقتباس حول أسماء الأشخاص موضع الاهتمام.
هل لديك أداة رائعة يمكن أن يستخدمها الصحفيون الاستقصائيون؟ أرسل لنا رسالة إلى hello@gijn.org.
روان فيليب صحفيٌّ عاملٌ مع الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية. كان المراسل الرئيسي لصحيفة Sunday Times الجنوب إفريقية. عمل كمراسل أجنبيّ وتناول الأخبار والسياسة والفساد والصراعات في أكثر من عشرين بلدًا.