قدمّت ثلاث صحافيات خلاصة لتجاربهنَّ الشجاعة في إعداد القصص والتحقيقات الاتجار بالبشر والعمل الجبري في منطقة الخليج العربي، خلال ويبينار أقامته “الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية”.
وتحدّث في الجلسة كلٌّ من الصحافية البحرينية هنا بوحجي، التي تخصّصت في حقوق العمال الوافدين منذ عام 2010، والصحافية الاستقصائية كاتي ماكو، التي عملت في دبي على تغطية قضايا العمالة والهجرة، والصحافية فاني ساراسواتي، وهي المحررة العامة ومديرة المشاريع بـ Migrant-Rights.org، وعملت لسنواتٍ عديدة في قطر، وفيما يلي أبرز النصائح والتجارب التي قدّمتها الصحافيات الثلاث خلال الجلسة:
نصائح من تجربة الصحافية هنا بوحجي
سردت بوحجي تجربتها خلال العمل على تحقيق “العرق المسروق “عبودية” ترسخها القوانين: سرقة أجور العمالة المهاجرة في الخليج” وأبرز المصاعب التي واجهتها خلال العمل على التحقيق، ومنها تشابه القوانين والظروف في كل دول الخليج، إضافةً لشعورها بالخوف عندما قرّرت للمرة الأولى العمل على التحقيق، وغياب المعلومات والأرقام والبيانات بشكلٍ شبه تام، ما صعّب عملية إثبات فرضية تحقيقها.
وقالت في هذا الصدد: “اضطرت إلى تكثيف المقابلات مع الضحايا والمحامين والمنظمات غير الربحية من أجل تكوين صورة واضحة في ظل غياب المعلومات”.
كما شكّل خوف الضحايا من الحديث عن سرقة رواتبهم، رعبًا من انتقام أصحاب العمل منهم أو ترحيلهم في حال كانوا عمّال غير نظاميين، أحد أبرز عقبات التحقيق بحسب بوحجي، وينطبق الأمر ذاته على عاملات المنازل اللواتي لا تستطعن التحدّث لأنه مكان إقامتهنَّ هو ذاته مكان العمل لذلك فإن الخوف من الطرد يجعل التحدّث إلى الصحافة أمرًا أصعب.
ومن ضمن هذه الصعوبات أيضًا، رفض المسؤولين الحكوميين التحدّث، ولا سيما أن الانتهاكات ضد العمالة الوافدة أصبح موضوعًا ذو أبعادٍ سياسية، ويتعلّق بصورة البلد وينعكس على الاستثمارات في بعض الأحيان، وقالت في هذا السياق: “رغم أنّني أعمل في جمعية أهلية ضليعة في حماية العمّال المهاجرين ولديَّ علاقات جيّدة مع المسؤولين، ولكن التعامل معهم كصحافية كان أمرًا صعبًا، وهو ذات الأمر الذي واجهه الصحافيون المتعاونين على إعداد التحقيق في دولٍ خليجية أخرى.
خلال عملها على التحقيق، عاشت بوحجي على مدار أشهر رحلة أحد العمال الذين حُرم من مستحقّاته، وبحثت عن مؤشّرات عدّة من أجل وضع الانتهاك في إطار الإتجار بالبشر.
أما عن أهمّية التحقيق في العمالة المهاجرة، فتوضّح بوحجي أنّها تنبع من اتساع الشريحة، إذ يبلغ عدد العمال الوافدين إلى الخليج نحو 24 مليونًا وهؤلاء يأتون فقط من أجل كسب الأموال، ما يدفع الكثير منهم بعد سرقة مستحقّاتهم، إلى حالة من اليأس ومشاكل نفسية عصيبة.
وشاركت بوحجّي بعض النصائح المستمدّة من تجربتها، ويأتي على رأسها أن التحقيق في العمل الجبري والعمالة المهاجرة تُعتبر بيئة خصبة وتكثر فيها القضايا والزاويا وتتنوّع الانتهاكات.
كما دعت إلى عدم اليأس من عدم تغيّر الواقع بعد النشر مباشرةً، لأن “الصحافي عندما يعمل على قصّة فإنّها حتى لو لم تغيّر الانتهاك إلّا أنّها تُعتبر خطوة إلى الأمام وسوف تؤثّر حتمًا في القرارات” حسبما قالت.
ومن هذه النصائح أيضًا، الاحتفاظ بأرشيف خاص بكل قصّة، بما في ذلك الوثائق والنسخة النهائية خوفًا من حذفها، إضافةً إلى ضرورة التدقيق في الحقائق وعدم الاعتماد على الصحف المحلية التي غالبًا ما تنشر بيانات علاقات عامة حول قضايا العمالة الوافدة، بل دعت إلى البحث وراء هذه البيانات والأرقام.
وفي مقابل عدم الركون إلى رواية الصحف المحلّية، حذّرت بوحجي من الركون إلى المعلومات التي تبثّها وسائل إعلام مضادة، والتي قد يكون الهدف منها تشويه صورة الدول الأخرى من بوابة العمالة الوافدة، فالحفاظ على المهنية مطلوبًا في كلا الاتجاهين.
وشدّدت أيضًا على ضرورة السماع لكل وجهات النظر لأن الصحفي سوف يتعاطف مع الضحايا أو ينحاز لهم، موضحةً أن تغطية العمالة المهاجرة والانتهاكات بحقّها وما يتخلّلها من سماع قصص مؤلمة قد تؤدّي بصدمة نفسية للصحافي في بعض الأحيان.
نصائح من تجربة الصحافية كاتي ماكو
– الموضوعية مسألة أساسية، فإذا أردنا العمل في منطقة الخليج علينا ألّا ننخرط بأي نوع من النشاطات، وأن نكتفي بالتركيز على جمع البيانات والمعلومات ونشرها.
– ضرورة الحرص على الموضوعية وتفادي الانحياز لأي طرف.
– الاستماع لأكبر قدر ممكن من الأشخاص، كل لا يكون هناك حقائق مشوّهة من جانب بعض المصادر.
– نشر المقالات في صحف مرموقة ومعروفة، لأنّه في حال أدّى النشر لأي تبعات يكون الصحافي محميًّا حينها.
ضرورة إعطاء الحكومة الوقت الكافي للرد، وهذا الأمر قد يستغرق أسابيعًا أو أكثر، لأن الصحافي يتلقّى في بعض الأحيان معلومات مهمّة من الحكومات، لذلك يجب إعطائها ما يكفي من الوقت.
– ضرورة الحصول على أوراق اعتماد رسمية للعمل الصحافي قبل تغطية أي قصّة، والتسجيل رسميًا في نقابة الصحافيين ودفع الرسوم، لأن العمل على القصص في الخليج بشكل غير قانوني قد يُلحق المتاعب بالصحافي.
– الحفاظ على سلامة المصادر، فعند البحث على القصص نتحدّث للضحايا أولًا، ونلتقي بأكبر عدد ممكن منهم، بعد ذلك يمكن الاتجاه إلى المنظمات غير الحكومية والحصول على تعليقهم عن الوضع.
– من المهم إبقاء التوازن بين الصحافي والمصادر وخصوصًا بالنسبة للضحايا الذين هم تحت الصدمة أو تم القبض عليهم، وهم ينتظرون من الصحافي أن ينقذهم، لذلك من المهم عدم إيهام الضحايا بأن الصحافي سوف يخرجهم من السجن لأن ذلك سوف يزيد الصدمة.
– يجب أن نفسّر للمصادر بشكل واضح أنّنا نساعد على إيصال مشكلتهم للرأي العام وكشفها، ولكن لا نستطيع إخراجهم من- مأزقٍ ما.
– من الأفضل نشر القصّة في صحف مرموقة، من خلال البحث عن المحرّرين المناسبين والمتخصّصين في ذات المواضيع والمناطق التي نعمل فيها، ويتم ذلك عبر البحث عنهم على تويتر ولينكد إن ثم مراسلتهم عبر البريد الالكتروني وتقديم فقرة تمهيدية نعرّف فيها عن أنفسنا مع نبذة عن القصّة وعن المصادر التي تحدّثنا معها.
نصائح من تجربة المحرّرة فاني ساراسواتي
– لا يجب النظر للإتجار بالبشر من منظور ضيّق باعتباره عملًا جنسيًا فقط، بل لا بد من مراعاة حالة العمال المهاجرين، وكيف تتعامل الأنظمة والقوانين معهم.
– من مهمّة الصحافي أن يفهم الفجوات بين الأنظمة والقوانين في الخليج وتأثيرها على العمال المهاجرين، بسبب أن هذه المهمّة لا يستطيع الجميع أن يفهمها.
– ضرورة التعمّق في جوانب القوانين التي يتأثّر بها العمال المهاجرين وفهمها بعناية، وتفكيكها وتفسيرها.
– من السهل الفهم أن وسائل الإعلام المحلية عادةً ما تتواطئ مع الحكومات.
– لا يمكن الحصول على كثير من البيانات حول العمالة القسرية والإتجار بالبشر لأنها مشتتة في بلدان الأصل، والمعلومات المتوفرة في تلك البلدان تعتمد فقط على الشهادات التي تصدرها دول الخليج.
– ما علينا التأكيد عليه، هو عدم قراءة قوانين العمل والهجرة وحدها، بل يجب قراءة القوانين الأخرى التي تؤدّي للعمل القسري والإتجار بالبشر، فعلى سبيل المثال، قد تقع العاملات المنزليات تحت أنظمة وزارة الاقتصاد أو وكالات الاستقدام، لذلك من المهم قراءة كل القوانين.
– يجب أن نستمر في مساءلة الحكومات حتّى لا تترسّخ ممارسات العمالة القسرية والإتجار بالبشر.
– خلال العمل على أي قصة، من المهم النظر إلى المواثيق والمسارات العالمية للهجرة، مثل حوار أبو ظبي والميثاق العالمي للهجرة.
– من الضروري جدًا الحذر والحرص في التعامل مع المصطلحات القانونية التي تستخدمها الحكومات والمؤسسات الأخرى في مجالات الهجرة ، فالكثير من بلدان الخليج تستخدم كلمات غير متعارف عليها دوليا، مثل عامل ضيف عوضا عن عامل وافد، وعلينا ان فهم للمسارات الاقليمية والعالمية مثل الميثاق العالمي للهجرة وحوار أبو ظبي.
أحمد حاج حمدو: صحافي سوري، مؤسس مشارك في الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية (سراج)، خريج كلية الإعلام بجامعة دمشق، عمل في أقسام التحقيقات لعدد من وسائل الإعلام باللغتين العربية والانكليزية.