بدا الأمرُ وكأنّ أدلّة الفيديو كانت قليلةً جدًا أمام الصّحفيين للتّمحيص في قتلِ الشّرطة لـ”بريونا تايلور” الأميركية الأفريقية الشّابة، داخل منزلها سنة 2020. لم يكن أيٌّ من ضباط الشّرطة السبعة الحاضرين في مكان الحادث يرتدي الكاميرا التي تُعلَّق على جسد الشرطي، ومُنع الصّحفيّون من الوصول إلى الشقّة.
ومع ذلك، تمكّن فريق التّحقيقات البصرية في صحيفة نيويورك تايمز من سرد قصة كل رصاصة من الرّصاصات الـ 32 التي أُطلقت وإظهار مسؤوليّة ضبّاط الشّرطة، باستخدام عمليّات إعادة البناء ثلاثيّة الأبعاد وخط زمني مفصّل لحظة بلحظة.
وعلى النقيض من ذلك، بدتْ أدلّة الفيديو وفيرةً على أعمال الشّغب المميتة في مبنى الكابيتول الأمريكي، في 6 يناير/كانون الثاني من هذا العام، ليتمكّن الصّحفيون من فهم الهجوم، حيث توفّرت مئات السّاعات من البثّ المباشر ومقاطع الفيديو على وسائل التّواصل الاجتماعي التي صوّرها مثيرو الشّغب وكاميرات الأمن والمارّة.
ومع ذلك، قام هذا الفريق الرّائد بترويض هذه الفوضى البصرية باستخدام أدوات تحليل الفيديو الجديدة مفتوحة المصدر وتطبيقات البحث المُؤتْمَتة ، وتتبّع عشرات الأفراد وأفعالهم قبل أحداث الشغب وأثناءها وبعدها. وكشف الفريق عن أهميّةِ أداةٍ تُسمّى VideoIndexer.AI في التّعامل مع هذا الأرشيف الضّخم.
وفي حوارٍ بين خبراء عن مجال التّحقيقات المرئيّة المتنامي، عُقِدَ أثناء المؤتمر العالمي الثاني عشر للصّحافة الاستقصائيّة (#GIJC21)،أكّد ثلاثة أعضاء من ذلك الفريق على نقطتين مهمتين لغرفِ الأخبار في هذا العقد: إنه بات من الممكن الآن أن نُظهر منْ فعلَ ماذا ومتى في حوادث العنف، وغرف الأخبار لا تحتاج إلى موارد أو مهارات متقدّمة للقيام بذلك.
وأكّد “مالاتشي براون“، المنتج الأقدم في الفريق، أن أساليب العمل الصّحفي التّقليديّة مثل المقابلات والبحوث وطلبات البيانات ما تزال في صميم نهج الفريق.
وقال “الأمر يعني جمع كلّ أشكال الأدلّة الرّقميّة – طابع زمني، مقطع فيديو، صورة قمر صناعي، صورة فوتوغرافية – ثم تنظيمها، واستخلاص أي أدلة وحقائق، والجمع بينها وبين العمل الصّحفي التّقليديّ للوصول إلى حقيقةِ حدثٍ ما”.
وأضاف “براون” أن العمل على مشاريع الفيديو التي تعتمد على الأدلّة الجنائيّة يمكن أن يبني ثقةَ الجمهور في هذا الزمنِ الذي تشيع فيه المعلومات المضلِّلة وعدم الثّقة بوسائل الإعلام، من خلال عرض الأحداث وعمليّة إعداد المادّة الصحفيّة بشفافية.
كما تناولت مشاريع الفريق في العام الماضي الغارة الفاشلة والمميتة التي شنّتها طائرةٌ أمريكيّة بدون طيار في أفغانستان، والغارات الجويّة الإسرائيليّة في غزّة التي أسفرت عن مقتل 44 شخصًا.
ومن أهم الاكتشافات المذهلة التي كشفَ عنها الفريق هو أنه يمكننا الآن أن نتجاوز دروب التّحقيق المسدودة بالعادة من خلال التقارير التخيُّليّة وأدوات المصادر المفتوحة.
على سبيل المثال، عندما قامت السّفينة التي كان الفريق يتعقّبها عبر الإنترنت بإطفاء جهاز الإرسال والاستقبال الخاص بها واختفتّ عن موقع MarineTraffic، عثر فريق التّايمز عليها مرةً أخرى من خلال تحديد صفات السّفينة المادّيّة أولاَ على وسائل التّواصل الاجتماعي، ومن ثمّ عثروا عليها باستخدام صور الأقمار الصناعيّةِ منخفضةِ الدّقّة على SentinelHub. وقد أُدرجت تلك اللحظة في نهاية المطاف في تحقيق التايمز عن التهريب الذي حمل عنوان “ناقلة ومتاهة من الشّركات: طريقةٌ يصل بها النفط غير المشروع إلى كوريا الشمالية“.
وفي معرض وصفها لتحقيق “بريونا تايلور”، قالت مراسلة الوِحدة “أنجالي سينغفي“ إن الفريق وجد العديد من الحلول عندما تعثَّرَ الوصولُ المباشر بسبب قوّات إنفاذ القانون. على سبيل المثال، تعقبوا مخططًا من 360 درجة لشقّةٍ مطابقةٍ تقريبًا لشقّة “تايلور” في نفس المبنى على موقعٍ إلكترونيّ للعقارات.
بالإضافة إلى مراجعةِ ساعاتٍ طويلة من مقابلات الشرطة، سافرتْ زميلتها “براون” إلى لويزفيلي، كنتاكي، والتقطت صورًا ثابتة ومقاطع فيديو للشقّة من الخارج. وباستخدام بيانات جهات إنفاذ القانون التي نُشرت للعامّة، قالت إن الفريق وضعَ نموذجًا رقميًا للمسارات الكاملة للمقذوفات من فوّهة السلاح إلى الهدف بالاعتماد على علامات بسيطةٍ للمسار – أنابيب بلاستيكيّة زرقاء – أعدّتها الفرق الجنائيّة التّابعة للشّرطة في مكان الحادث.
“اخترقت الرّصاصات الأثاث والأواني والمقالي. اخترقتْ خمس رصاصاتٍ بابَ الفناء، ودخلت رصاصتان إلى شقق الجيران أيضًا. لقد تتبّعنا مسارات الرّصاص من تقارير المقذوفات وكتالوج “مالاتشي” الذي اعتمدَ على مكان سقوط الرّصاصات الفارغة. فيديو فريق التّدخُّل السريع… كان مفيدًا أيضًا.”
نصائح للتحّقيقات المرئيّة من نيويورك تايمز
– جرّبْ أداة تحليل VideoIndexer.AI للمشاريع الكبيرة. وقال “براون” إن هذه الأداة المجّانية تُحمّل مقاطعَ الفيديو بكفاءة، وتفرّغُ الصوتَ إلى نصّ بشكلٍ أوتوماتيكيّ، ثم تمكّنك من البحث في هذا النّص للعثور على لحظاتٍ في الفيديو ذُكرتْ فيها كلمةٌ معيّنة. وقال براون “الأداة لا تتعرّف على الوجوه، ولكنها تتعرّف على الأشكال إلى حدٍّ ما – فإذا اعتقدت الأداة أن نفس الشخص يظهر في لقطاتٍ مختلفة، يمكنك تحريك المؤشّر والتحقُّق من ذلك”.
– ابحث في المقاطع باستخدام أدوات التّحكُّم بالفيديو. جرّب Watch Frame by Frame الذي يمكّنك من مشاهدة الفيديو بالعرض البطيء. أو استخدام خاصية الانعكاس أو قلْب وتدوير الفيديو.
– استقصِ مُسبقًا عن المجموعات التي يُرجَّح أن تتورّط في حوادث عنف. قال “براون” إن الأبحاث التي أُجريت على ثلاث مجموعات للمتطرّفين البيض قبل 6 يناير ساعدت الفريق على تتبُّع الوجوه من خلال مقاطع الفيديو التي تمّ تصويرها من عدة اتجاهات، والتي كانت أفضل، في بعض الحالات، من برامج التّعرُّف على الوجوه.
– استخدم قوائم تويتر لتنظيم شخصيّات القصّة. استخدم غوغل للبحث في قوائم الآخرين على تويتر، ثم انسخْ وادمج القوائم في قائمةٍ خاصّةٍ بك.
– لا تحجب الأخبار العاجلة المحتملة والمقاطع القصيرة العاجلة. قد تكون بعض مقاطع الفيديو التي تم جمعها لإجراء تحقيقٍ مرئيٍّ طويل قيّمةً للغاية بحيث لا يمكن الاحتفاظ بها للقصة التي ستُعدّ لاحقًا وقد تتطلّب النّشر الفوري. وقال “براون” إنهم اضطروا لأن ينشروا فورًا بعض اللحظات المهمّة المدرَجة في فيلمهم الوثائقي ذي الأربعين دقيقة “يوم الغضب” – الذي استغرق إنتاجه ستّة أشهر – لأن هذا ما اقتضته المصلحة العامّة.
– حاول إعادة تمثيل المشاهد باستخدام الأدوات ثلاثية الأبعاد مفتوحة المصدر. أداة Blender المجانية خيارٌ جيّد.
ابحث عن شركاء أو مراسلين محليين يتمتّعون بمهارات لغويّة محليّة ومعرفة ثقافيّة لإجراء التحقيقات البعيدة. على سبيل المثال، كشفت “موي شياو”، وهي صحفيّةٌ تعمل على التّحقيقات البصريّة في صحيفة نيويورك تايمز، أن المراسلين المحليين في آسيا كانوا مهمّين جدًا في قصتهم عن تهريب النّفط إلى كوريا الشمالية، ويرجع ذلك إلى وجود خمس طرقٍ مختلفة على الأقل لتهجئة اسمِ مؤسس الشّركة الأبرز في القصّة.
– تتبَّع السُّفن وأصحابها باستخدام أدواتٍ جديدة مفتوحة المصدر. لتتبُّع السّفن جرّب MarineTraffic، VesselFinder، SentinelHub، Planet Explorer،Image Hunter. للبحث بدقّةٍ أكبر عن الشّركات في آسيا، جرّب قواعد بيانات مثل Equasis، World Ship Register، Vessel Value.
– خصّص وقتًا للاطّلاع على لوحات التّحكم بالأدوات الحديثة. ابحث عن الحلول الجنائيّة التي تحتاجها ضمن مجموعة أدوات Marc Kranat OSINT الواسعة.