من البديهي أن الصحافة – ولا سيما الصحافة الاستقصائية التي تحتاج إلى المزيد من الوقت والموارد – لا يمكن أن تستمر بدون مؤسسات إعلامية مستديمة، غير أن جائحة كوفيد-19 شكلت تهديداً وجودياً لوسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم، وأجبرت المنابر الإعلامية على إعادة التفكير في كيفية قيامها بأعمالها. وقد عانت غرف الأخبار القديمة على وجه الخصوص بعد الانخفاض الحاد في توزيع المطبوعات ومبيعات الإعلانات والنشاطات الإعلامية، مما جعل من الواضح أن التغيير ضروري إذا أرادت وسائل الإعلام البقاء على قيد الحياة.
غير أن الجائحة لم تؤدي إلى التراجع في عدد القراء، بل على العكس، فخلال الحجر حقق الاستهلاك الإعلامي أسرع نمو منذ خمس سنوات، على الرغم من التراجع في الإنفاق على الإعلانات والتسويق، حيث كسبت شركات الأخبار الكبرى أعداداً قياسية من المشتركين رقمياً في العام الماضي، من النيويورك تايمز والواشنطن بوست في الولايات المتحدة، إلى الغارديان ولوموند في أوروبا، وماليزياكيني وتيمبو في آسيا، مما دفع الكثيرين للتحرك بزخم نحو الرقمية وبوتيرة أسرع.
وتشير دراسة استقصائية حديثة أجراها معهد رويترز في جامعة أكسفورد إلى أن 76٪ من مدراء وسائل الإعلام قد سرّعوا خططهم للتحوّل الرقمي للتكيّف مع تداعيات كوفيد-19 والتخفيف من حدتها. ومن ضمن المجالات الضرورية للتطوير، أشار أكثر من 230 من المحررين والمدراء التنفيذيين وكبار الشخصيات في غرف الأخبار إلى “تغييرات في ممارسات العمل، والمنصات الصحفية، ونماذج الأعمال؛ وللطريقة التي تفكر بها شركات الإعلام في الابتكار”.
من جانبها، كتبت لوسي كوينغ، وهي خبيرة في الأزمات الرقمية وزميلة بحثية في رويترز مؤخراً “هذه لحظة لإعادة التشكيل. لقد تحلحلت المنظمات، والناس يتوقعون التغيير. ولن يكون هناك وقت أفضل من هذا للتعامل مع التغييرات العميقة التي يجب أن تحدث”. ولكن كيف يمكنك الانتقال من منبر إعلامي قديم إلى مؤسسة تعتبر رقمية في المقام الأول؟ لا سيما عندما يكون لهذه المؤسسة نموذج تجاري كامل مبني على نجاحات سابقة وثقافة إعلامية تم تطويرها عبر سنوات من الممارسة وفريق عمل اعتاد على ممارسة الصحافة وفق العادات القديمة؟
وقد أكد خبراء في بعض من ورش عمل الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية حول التحوّل الإعلامي أن تحوّل المنظمات الإعلامية القديمة نحو الرقمية أمر صعب ويستغرق وقتاً طويلاً ويتطلب تحوّلاً في العقلية في كل مجال من مجالات الأعمال، ويشمل ذلك تغيير ثقافة العمل والمناهج الصحفية المتبعة وتنويع وسائل الربح.
وقد استضافت الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية مؤخراً ورشة عمل من ثلاثة أجزاء لمجموعة من كبار المسؤولين التنفيذيين لوسائل الإعلام القديمة في بنغلاديش بدعم من مبادرة أخبار غوغل، حيث قدّمت مشورات بناءً على خبرات عملية من آخرين في آسيا. ورغم ذلك، فإن النصائح التي تلقوها والدراسات العملية التي تم النظر فيها يمكن تطبيقها في وسائل الإعلام الأخرى التي تفكّر في التحول الرقمي في أنحاء العالم.
ومثلها مثل العديد من البلدان الأخرى، فقد تضرّرت المؤسسات الإعلامية في بنغلاديش بشدة خلال الجائحة. وما زال الحقل الإخباري، الذي يتضمن الصحف القديمة وعشرات القنوات التلفزيونية الفضائية، يعاني بسبب اعتماده على نماذج الربح التقليدية القائمة على الإعلانات، مما يحد من قدرته على إنتاج صحافة عالية الجودة في بيئة تعاني أصلا من قيود.
وقد استمع الحضور إلى كوريل لاهيري، مدير البرامج في جنوب آسيا في “صندوق الاستثمار لتطوير وسائل الإعلام” MDIF، وبريميش تشاندران، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة ماليزياكيني ومقرها ماليزيا، وواهيو دياتميكا، رئيس تحرير مجلة تيمبو التي تعمل من العاصمة الإندونيسية جاكرتا.
الخطوة الأولى: تغيير الثقافة
وقد قاد دياتميكا، وهو صحافي استقصائي ومحرر، عملية التحول الرقمي في تيمبو، وهي مجموعة إعلامية بارزة في إندونيسيا والأولى في البلاد التي طرحت الاشتراكات الرقمية. وعلى الرغم من سمعتها كغرفة أخبار استقصائية تركز على الطباعة، إلا أنها تتوقع هذا العام جني 50٪ من إجمالي إيراداتها من الرقمية. وقال دياتميكا: “لقد كان من الصعب حقاً الانتقال إلى النظام الرقمي، فنظراً للعقلية والثقافة القائمة على الطباعة، كان يُنظر إلى أي شيء رقمي أو أي شيء عبر الإنترنت على أنه أقل جودة؛ أو أقل جدية أو مصداقية مقارنة بالمطبوعات”.
وقد حددت تيمبو ثلاثة مجالات رئيسية لتحويل غرفة الأخبار: الثقافة، والهيكل، وسير العمل والأنظمة. ووفقا لدياتميكا، فإن ثقافة غرفة الأخبار هي ما يجب معالجته أولاً. وقال: “إذا لم يكن هناك تأييد لقراراتك في غرفة الأخبار، وإذا لم يكن المحررون والمراسلون يؤمنون برؤيتك وما تريد تحقيقه، فإن أي هيكل جديد سيكون عديم الفائدة”.
وقد قررت تيمبو أن تتكيّف مع الظروف الحالية لتصبح مزوداً للأخبار يركز على المستهلك ووضعت استراتيجية مدتها خمس سنوات للموظفين لإنشاء منفذ إعلامي يكون تفاعلياً وتعاونياً وليكون الجمهور في المحور، مما تطلّب إنشاء غرفة تحرير مفتوحة وطرح آلية شفافة لتقرير ما يمكن أن ينشر في الأخبار كل يوم، وفقاً لدياتميكا.
وقد عيّنت تيمبو مستشاراً محترفاً وأطلقت حملة كبيرة داخل غرفة الأخبار للتأكد من أن الجميع يؤيّد القرارات الجديدة. وقال دياتميكا: “هذا مهم لأن بعض الاحتجاجات التي تعارض التحول الرقمي تأتي من أشخاص سيتهمونك بتغيير روح الإعلام”.
تغيير الهيكلية تدريجياً
وفقا لكوريل لاهيري، مدير البرامج في “صندوق الاستثمار لتطوير وسائل الإعلام” فإن معظم العاملين في وسائل الإعلام القديمة يعتبرون أن الإعلام الرقمي هو ابن عمهم الأصغر لأنه لا يساهم حالياً بأكثر من 5٪ أو 10٪ من الأرباح. في غضون ذلك، يتم تخصيص الأخبار الحصرية للمنتج الرئيسي، سواء أكان قناة تلفزيونية أم مطبوعة. لكنه شدد على أهمية الرؤيا المستقبلية، وهي: تطوير هيكل غرفة الأخبار بحيث يكون المحتوى الرقمي هو منفذ الاتصال الأول. وقال لاهيري: “كل شيء يقوده الرقمي، سواء أكان مكتب تكليف المهام، أم تدقيق الحقائق، أم مكتب الإخراج، أم النشر، أم التوزيع، أم وسائل التواصل الاجتماعي”.
وأكد دياتميكا أن السبيل الوحيد لتطبيق هذا التغيير الجذري هو أن تُظهر للمراسلين الفوائد التي توفرها الإستراتيجية القائمة على الأوساط الرقمية أولاً.
ويعمل في غرفة أخبار تيمبو 200 محرر ومراسل، يقودها ثلاثة محررين تنفيذيين (واحد للمجلة وآخر للصحيفة وثالت للإنترنت) بينما يشرف خمسة مدراء إداريين على مكاتب مختلفة تنتج مواد للمنصات الثلاثة. ويقع “مختبر الوسائط” Media Lab في قلب هيكلهم الرقمي، وهو فريق مكون من سبعة أعضاء يتكون من المحررين والمراسلين ومصممي واجهة المستخدم والمبرمجين الذين يعملون جنباً إلى جنب. ويكلّف المختبر الرقمي المحررين والمراسلين بالتعاون لتصميم مشاريعهم الرقمية الخاصة بهم. وتَحُثّ تيمبو أيضاً على التعاون بين الفرق من خلال عقد اجتماع شهري يسمى “اجتماع الجمعة الرقمي” Digital Friday. إنه بمثابة مكان يلتقي فيه المبرمجون بغرفة الأخبار ويعرضون المشاريع التي يعملون عليها، وتقترح غرفة الأخبار أفكاراً جديدة. وأكد دياتميكا: “عليك أن تصرّ على عقد هذا الاجتماع”.
بالنسبة لسير العمل الرقمي، يقول لاهيري إنه من المهم أن يتبنى كبار قادة غرفة الأخبار تغيير العقلية، كما ينبغي اعتبار البحث والتصميم والبرمجة والتحليلات والتسويق والمبيعات والاتصالات على أنها لا تقل أهمية عن ما يحصل في غرفة الأخبار التقليدية التي تركز على إعداد التقارير أو التحرير.
تحويل الجماهير إلى مشتركين
من المهم جداً في تحويل الجماهير إلى الرقمية هو تحويل القارئ إلى مستخدم، والمستخدم إلى مشترك. ففي حين أن عملية الأخبار التقليدية تبثّ المعلومات بطريقة أحادية الاتجاه، إلا أن الإعلام الرقمي يتطلب أوساطا للتفاعل مع الجمهور ودعوتهم إلى تبادل الآراء.
وقد شرح لاهيري خلال ورشة العمل نموذجاً للتحول الرقمي الذي يركز على الجمهور مكوّناً من أربعة أجزاء، يبدأ بطرح السؤال “من نخدم؟” والأهم من ذلك “من لا نخدم؟”.
وأكد لاهيري أنه لا قيمة لإنتاج محتوى يناسب الجميع. فحتى إذا كان الصحفيون متحمسين لجماهير معينة، فإنهم بحاجة إلى السؤال عما إذا كان هذا الجمهور كبيراً بما يكفي، أو ثرياً بما يكفي لدفع أثمان الاشتراك. ثم بعد ذلك، يحتاج المحررون إلى التفكير فيما تطلبه هذه الجماهير منك وكيف يريدونك أن تقدمه.
وضرب لاهيري مثالاً على بموقع “دي كوريسبوندنت” وهو موقع إخباري رقمي مقره في أمستردام (وقد توقفت النسخة الإنكليزية عن النشر في كانون الثاني/يناير من هذا العام، لكن الموقع الهولندي مستمر). ويقوم كل من مراسليه بالتنسيق والتواصل مع جمهورهم من خلال الرسائل الإخبارية لبناء علاقة معهم تتمحور حول اسم الموقع ولجمع الأفكار عن الأخبار المطلوبة. وأشار لاهيري: “أعتقد أنه من المهم التفكير في وجود مجتمعات داخل منصتك وخارجها”.
وقال إن الجمهور اليوم يأتي من مصادر مختلفة. لذا فإن السؤال التالي الذي ينبغي أن نسأله هو: هل تم تصميم الصفحة الرئيسية (صفحة الدخول) لتحقيق الأرباح؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكنك استخدام هذه الزيارات لتصبح ذات صلة بحياة قرائك لضمان استمرار عودتهم إليك؟
وقال بريمش تشاندران العامل في شبكة ماليزياكيني: “الأمر يشبه عادة شراء صحيفة صباحية، بحيث لا تشعر بالراحة إلا إذا تناولت القهوة وقرأت جريدتك. لكن بالنسبة للإنترنت، كيف تنمي هذه العادة؟”
من هنا تعتبر التكنولوجيا أمراً حيوياً.
وأضاف تشاندران: “كيف تبني نظاماً تقنياً يمكّن المستخدم من الدفع بسهولة؟ كيف تنظّم عملية الاشتراك؟ كيف ترسل التنبيهات والرسائل الإخبارية؟ وكيف تراقب من يزور موقعك الإلكتروني بكثرة ولكنه لم يشترك بعد؟ كيف يمكننا أن نمنحه عرضاً لحثه على الاشتراك؟”
إنه يتطلب امتلاك القدرات داخل المؤسسة وضمان الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية.
وتتضمن عملية مراقبة عادات الجمهور قياس ردود الفعل واتخاذ قرارات تستند إلى البيانات. ففي 2016 حين بدأت تيمبو في التحول إلى الرقمية، قامت بوضع خمس شاشات تلفزيونية في أنحاء غرفة الأخبار تظهر الأرقام الحية لكي يتمكن الموظفون من رؤية أداء مقالاتهم في الوقت الحالي. وقد أحدث ذلك فارقاً كبيراً، وفقاً لدياتميكا، حيث أن هناك نوعين من التحليلات: واحد للموقع الإلكتروني المجاني والآخر للجريدة اليومية والمجلة.
وقال: “نحن نرصد المقالات التي تحصل على أكبر عدد من المشاهدات ومن هم مؤلفو تلك المقالات، ونراقب أيضاً أنواع القراء.. نراقب كل شيء”.
تنويع مصادر الدخل
من جهته، يقول لاهيري: “لقد تغيرت عادات الاستهلاك الرقمي تماماً، والآن، أصبحنا فجأة نرى الاشتراكات والعضويات تظهر في أكثر من 30٪ من الحالات”. لكن التحول الرقمي يعني أيضاً تنويع المصادر، إذ يضيف: “مصادر الدخل تتجاوز مجرد الإعلانات والاشتراكات أو المناسبات، فرغم أن هذه هي الثلاثة الأكثر شيوعاً عبر الشركات الإعلامية، إلا أن هناك عالماً آخر من الفرص المحتملة”.
ويضم موقع ماليزياكيني الآن أكثر من 25000 مشترك ويغطي 80٪ من نفقات غرفة الأخبار من عائدات الاشتراك، حيث استغرق الأمر 20 عاماً للوصول إلى هذه المرحلة. وعندما طرحوا نظام الاشتراك المدفوع لأول مرة، لم يكن هناك سوى 1000 مشترك، وهو رقم منخفض أثار الإحباط، وكان معظم القراء غير راضين عن الاشتراك لأنهم أرادوا المحتوى مجاناً، وكان تغيير أذهان القراء تحدياً كبيراً لفريق الإدارة.
وينقسم جمهورهم في ماليزيا إلى ثلاثة أقسام بالتساوي: القراء المتحدثون بالملايوية والصينية والإنكليزية. وتشير الإحصاءات إلى أن مستوى الدخل لدى القراء المتحدثين بالصينية والإنكليزية أعلى، لذلك بدأوا بفرض رسوم على المواقع التي تنشر بهذه اللغات، بينما ظل موقع الملايو مجانياً. وعند إنشاء نظام الاشتراك المدفوع، اقترح تشاندران مراعاة أعمار القراء أيضا. وأضاف: “أعتقد أنه بالنسبة لجيل 15 إلى 25 عاماً، يفضل أن يكون هدفك هو السماح لهم بالاشتراك من دون الدفع لبناء الوعي بالعلامة التجارية بينهم. ويمكن أن يكون الجيل 15 إلى 25 مخصصاً للإيرادات المستندة إلى الإعلانات، في حين أن أرباح الاشتراك يفضل أن تأتي ممن هم فوق الثلاثين”.
وقال تشاندران: “استراتيجية تسعير فريميوم Freemium هي وسيلة أخرى، حيث لا تُفرَض الرسوم إلا على المستخدمين الذي يزورون المنصة بكثرة، أما عامة الناس فيُسمَح لكل منهم بمشاهدة 10 أو 15 مقالاً مجانياً فقط، وبذلك لا تفقد كل الزوار المحتملين”. وقد طرحت منصة ماليزياكيني الآن نظاماً يسمح للناس بقراءة المقال مجاناً ولكن يجب عليهم الاشتراك قبل نشر تعليق عليه، وأضاف تشاندران: “يمكنك أن تبحث ببطء عن طرق للحصول على مشتركين جدد، ويمكنك التفكير في طرق مبتكرة لزيادة زياراتهم ببطء وكسب ولائهم، وذلك في فترة تراجع المطبوعات”.
وفي عام 2014، وكجزء من جهودها للابتكار في تحقيق الأرباح، جمعت ماليزياكيني 400 ألف دولار من التبرعات لبناء مبنى جديد عن طريق بيع أطواب لمن يريد أن يقدم التهنئة للشركة، وذلك بثمن 250 دولاراً للطوب الواحد. ويحتوي مكتبهم الجديد على جدار مخصص لتكريم الداعمين بُني من هذه الأطواب، ويُظهر أسماء المتبرعين. ثم جَمَعوا لاحقاً 100000 دولار في غضون 12 يوماً فقط عندما خسروا دعوى قضائية واحتاجوا إلى أموال لتغطية التكاليف القانونية. ونظراً لأن بعض المؤيّدين لا يرغبون في الإعلان على موقعهم لأسباب سياسية، فقد نقلوا فريق مبيعات المؤسسة إلى شركة فرعية جديدة تعمل كوكالة إعلانية، وهي تبيع إعلانات لماليزياكيني، وأيضاً إعلانات لعملائهم على فيسبوك وغوغل.
ويقول لاهيري إن هناك العديد من هذه الفرص التجارية، بما في ذلك إنتاج فيديوهات مرخصة، وترجمات، ونشر الكتب، والتجارة الإلكترونية التي يقودها المحتوى والتي لها صلة بالعلامة التجارية الإعلامية.
ويوافقه تشاندران في ذلك إذ يقول: “في نهاية المطاف، الأمر الأهم هو علاقتك مع القراء، وطالما أن العلاقة قوية، فلا يهم كيف تجمع الأموال، سواء أكان بالاشتراكات أم التبرعات أم بيع الطوب أم القيام بشيء آخر”.
الاستثمار في المحتوى الممتاز
ربما يكون السؤال الأهم الذي يتم طرحه أثناء عملية التحول الرقمي هو: ما الذي يقنع الناس بأن يدفعوا مقابل محتوى معيّن في حين يمكنهم الحصول عليه مجاناً في مكان آخر؟
يقول تشاندران: “لن يدفعوا، فالناس يدفعون فقط عندما يكونون على استعداد للدفع”.
لذا فبدلاً من توقع الإيرادات من القراء، تحتاج غرفة الأخبار إلى معرفة القيمة الإضافية التي يمكن أن تقدمها لجمهورها، وهنا يأتي دور مسألة جودة المحتوى ودور غرفة الأخبار في الأعمال التجارية.
وتكمن قوة تيمبو في الصحافة الاستقصائية والمعمّقة. لذلك عندما تعاونوا مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين في مشروع أوراق بنما، كان هناك قرار مدروس لنشر التقرير أولاً على موقعهم الرقمي، بدلاً من المطبوعة. لقد فعلوا الشيء نفسه مع مشروع “إندونيسيا ليكس” Indonesia Leaks، وهو تعاون بين 10 منافذ إعلامية رقمية للكشف عن فضيحة احتيال ورشوة تورط بها رئيس الشرطة الوطنية. وأنتجت منصة تيمبو الرقمية أيضاً محتوى مثل الألعاب الإخبارية قبل الانتخابات، ورسومات تفاعلية لدعم التحقيق في الدعارة، وكلها تركز على احتياجات الجمهور.
وقال دياتميكا رئيس تحرير مجلة تيمبو: “عندما تستمر في نشر الأخبار العاجلة حول الفضائح، وعندما يكون لديك فريق تحقيق قوي يواصل تقديم الأخبار الاستثنائية، فقد تكون هذه طريقة لإقناع جمهورك بأن يدفعوا رسوماً مقابل محتواك الإعلامي لأنه لا يحصل عليه في مكان آخر”.
فهل من نصائح أخرى للتحوّل للعصر الرقمي؟ إنه التعاون. فعندما أطلقت شركة ماليزياكيني موقعها الإلكتروني الصيني، كان أحد منافسيها الرئيسيين يعاني من الانهيار. وبدلاً من الاحتفال، قررت ماليزياكيني مساعدتهم من خلال إطلاق شراكة وتقاسم الأرباح بالتساوي.
كانت النتائج رائعة، حيث شهدت ماليزياكيني نمواً كبيراً في عدد المشتركين بين عشية وضحاها. ويعلق تشاندران: “أعتقد أن التضامن يحرك السوق حقاً ويخلق إمكانيات قوية للغاية، فالمتضامنون رائعون معاً”.
ويقترح لاهيري على قادة غرفة الأخبار أن يعتبروا المحتوى الرقمي “منتجاً” يدوم وليس “سلعة” قابلة للتلف وتفقد قيمتها بسرعة، وينبغي أن يضع فريق تطوير المنتج أعينهم على أفق المستقبل مدته 18 شهراً أو 36 شهراً بينما يراقبون كيفية تطور الجمهور.
وقال لاهيري “العامل الأهم هو الحفاظ على وضوح الهدف، كُن مَرِناً، وكُن متميزاً، ولكن حافظ على البساطة اليومية، مع أن التوازن بين الأمرين صعب للغاية”.
مقالات ذات صلة
قسم الموارد في الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية: الاستدامة
كيف تقلل من تأثير وباء كوفيد-19 على عملك الإعلامي
نصائح لغرف الأخبار غير الربحية للبقاء على قيد الحياة: جمع التبرعات والعضوية والنماذج المستديمة
ميراج أحمد تشاودري هو محرر الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية في بنغلاديش. عمل كرئيس للبرامج والاتصالات في “مبادرة تنمية الإدارة والموارد” (MRDI) ، وهي منظمة رائدة في تطوير وسائل الإعلام، وعضو في الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية في بنغلاديش. لديه 14 عاما من الخبرة في الصحافة، لا سيما في مجال الإذاعة.