النّصيحة الأولى: التزمْ بالطّب القائم على الأدلّة واستخدم منهجيّة PICO
كما ذكرنا في المقدّمة، الطّبّ القائم على الأدلّة (EBM)، الذي يُعرّف بأنه “الاستخدام الواعي والصّريح والحكيم لأفضل الأدلّة الحالية في اتّخاذ القرارات بشأن رعاية المرضى الأفراد”، يمكن أن يستغرق وقتًا طويلاً كوسيلةٍ استقصائيًة، ولكنه فعّالٌ للغاية.
أساليب الطّبّ القائم على الأدلّة مناسبة جدًا لفضح الممارسات الخاطئة: شكِّك دائمًا في ما تسمعه وتقرأه، وابحثْ عن أفضل الأدلّة المتاحة، وقيِّم جودتها بشكلٍ مستقل. ألا تبدو لك هذه الخطوات مألوفة؟ ستكون بعض مبادئ الطّبّ القائم على الأدلّة فعّالةً للغاية في تحقيقك مثل طريقة التّقييم النقدي وتكييف معايير الـ PICO مع أسلوبك الصحفي.
وبحسب الطّبّ القائم على الأدلّة فإن إجراء البحوث على المؤلَّفات وتحليل نسبة المخاطر والفوائد، يمكن تقسيم السّؤال السريريّ إلى أربعة أقسام، أو إلى “معيار بيكو”. يمكّننا هذا المعيار من معرفة ما إذا كان هنالك بيانات ناقصة أو خاطئة، مثلاً: إذا تمّ استخدام أساس غير ملائم للمقارنة أو نتيجة بديلة مذكورة سابقًا.
النّصيحة الثّانية: الدّراسة ليست مجرد دراسة
“وقد أظهرت دراسة” … ولكن ما نوع تلك الدّراسة؟ غاري شويتزر عبّر عن هذه الفكرة بدقّة في دليله المهم الذي يغطّي البحوث الطبّية: “ليست كل الدّراسات متساوية. ولا ينبغي الكتابة عنها كما لو أنّها متساوية”. انتباهك إلى هذه المعلومة سيشكّل فارقًا كبيرًا في تحقيقك. إذا كان عملك مبنيًا على أدلّة علميّة ضعيفة، فلن تكون قصتك قويّة، وهنالك احتماليّة جيّدة لأن يكون بعضٌ مما جاء فيها خاطئًا.
للاستقصاء في مجال الصحّة والطبّ، تذكّر أن العيوب في المنهجيّة العلميّة تشير في كثير من الأحيان إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من التقصّي. يمكن أن يكون منحنى التّعلُّم حادًا، ولكن يمكنك أن تبدأ بالاطّلاع على مجموعة واسعة من الدّراسات نوقشت في الورقة: “أنواع الدّراسات في البحوث الطبّيّة: الجزء الثالث من سلسلةٍ حول تقييمِ المنشورات العلميّة“، المنشورة سنة 2009 في مجلة Deutsches Ärzteblatt International.
فهمُ الاختلافاتِ بين أنواع الدّراسات سيساعدك في تجنُّب العديد من الأخطاء. باختصار، عليك أن تبدأ بطرح سؤالين رئيسيين. أولاً: هل أُجريت الدّراسة على البشر؟ أم أنّها أُجريت على الحيوانات أو على الخلايا؟ يسمّى البحث على البشر بحثًا سريريًا. عندما يتعلّق الأمرُ بتقييمِ تأثيرِ دواءٍ أو إجراءٍ صحّي، فإن النّتائج الوحيدة المهمّة فعلاً هي النتائج التي يتمّ الحصول عليها من التّجارب على البشر، لأنّ البشر، باختصار، يختلفون عن الفئران.
قد تكون نتيجة الدّراسة على الفئران مثيرةً للاهتمام، ولكن أيّ استنتاجاتٍ حول فعاليّةِ علاجٍ ما على البشر تكونُ تخمينيّةً إنْ كانت مستمدَّة من الدّراسات على الحيوانات. تجري هذه الدّراسات في المرحلة التي تسمّى المرحلة “ما قبل السريريّة” في تطويرِ أيّ دواء جديد. ويجب أن نتذكّر أن العديد من الأدوية في تاريخ الطبّ، بدَتْ واعدةً جدًا عند اختبارها على الحيوانات ولكن كان لا بدّ من سحبها عندما تبيّنَ أنّها غير فعالة أو حتى سامّة للبشر.
إذا كانت الدّراسة قد أُجريت على البشر، يتعيّنُ عليك أن تسأل السّؤال المهمّ الثّاني: هل كانت المحاولةُ دراسةً تجريبيّة (تُسمّى أيضًا “علاجيّة”) أو دراسةً وبائيّةً (تسمّى أيضًا “رصديّة”)؟
هذا أمرٌ ضروري، وكما ذكر موقع HealthNewsReview.org: فإنّ“الدّراسات الوبائيّة -أو الرصديّة- تدرس العلاقةَ بين ما هو معروفٌ في المصطلحات الوبائيّة مثل التعرُّض (غذاء، شيء في البيئة، أو سلوك) والنتيجة (غالبًا ما يكون المرض أو الموت). ونظرًا إلى أن كلّ حالات التعرُّض الأخرى تحدثُ في آنٍ معًا في حياة البشر المعقَّدة الذين يعيشون بحُرِّيّة لا يمكن أبداً أن تُفسَّر بالكامل، فلا يمكن لهذه الدّراسات أن تقدَّم دليلاً على السّبب والأثر؛ يمكنها أن توفّر فقط دليلاً على وجودِ علاقةٍ ما (بين التعرُّض والنّتيجة) التي يمكنُ لتصميم أقوى أن يتبيّنها بشكل أفضل”.
من خلال إجراء دراسةٍ تجريبيّة، يختبرُ الباحثون ما إذا كان التّدخل أ (مثلاً: دواء أو لقاح) يؤدّي فعلاً إلى النّتيجة ب (مثل العلاج أو الوقاية من المرض). بين الدّراسات التّجريبيّة، التّصميمُ الوحيد الذي يمكن أن يثبتَ وجودَ علاقةِ سببٍ وأثر هو التجربة المضبوطة المعشّاة (RCT)، حيث يتم إخضاع المشاركين في الدّراسة للتدخُّل (مثلاً: دواء أو لقاح) بشكلٍ عشوائيّ أو للضبط (مثلاً: دواء وهمي أو دواء آخر). التّعشية هي التي تجعل كلتا المجموعتين قابلتين للمقارنة فعلاً: الفرق الوحيد بين مجموعةِ التّدخُّلِ ومجموعةِ التحكُّم هو ما إذا كان المشاركون يتلقّون التّدخُّل الخاضع للدّراسة أم يتلقّون دواءً آخر أو دواءً وهميًا. هذا التّرتيب التّجريبي هو التّرتيب الوحيد الذي يُمكِّنُنا من أن نستنتجّ أن الفرق في النتائج بين مجموعة التّدخُّل ومجموعة الضّبط يُعزى إلى الدّواء أو الّلقاح الذي يجري اختباره.
ويخلص HealthNewsReview.org إلى أنه “نظرًا إلى أن الدّراسات الرصديّة ليست عشوائيّة، فإنها لا تستطيع التحكُّم بجميع حالات التعرُّض الحتميّة، والتي غالبًا ما لا يمكن قياسها، أو العوامل التي قد تكون السبب الفعليّ للنتائج. وبالتّالي، فإنّ أيَّ “ربطٍ بين السّبب والأثر في الدّراسات الرصديّة هو ربطٌ تخمينيّ في أحسن الأحوال”.
احذر: لا يمكن للدّراسات الرصديّة في أيّ ظرفٍ من الظروف، أن تؤدّي إلى استنتاجٍ حول فعاليّةِ التّدبير، حتى عندما يبدو أن هنالك ارتباطًا له دلالة إحصائيّة. ولا يمكن إلا لدراسةٍ تجريبيّة فيها تجربة مضبوطة أن تثبتَ ما إذا كان هنالك علاقة سببيّة بين التدخّل الخاضع للاختبار والأثر المرصود.
وخذ بعين الاعتبار أن الدّراسات الرّصديّة والدّارسات بأثر رجعيّ هي الأكثر عرضةً للحدود المحتملة للتّحليل الإحصائيّ. في بعض الأحيان، يمكن استخدامُ الإحصاءات من قِبل الباحثين أو الكفلاء لتعديل النتائج. لذا تذكَّرْ عندَ تحليل الأرقام ما قاله “داريل هوف” الذي اشتهر بكتابه “كيف تكذب باستخدام الإحصاءات” في عام 1954: “يمكن للإحصاءات أن تُخرِجَ من قبّعة السّاحر أيّ شيء مطلوب تقريبًا”. كما قال الخبير الاقتصاديّ الحائز على جائزة نوبل “رونالد ه. كوز”: “إذا قمت بتعذيب البيانات لفترة كافية، فإن الطبيعة سوف تعترف دائمًا”.
التجارب المضبوطة المتعدّدة المراكز، تُعتبر المعيار الذّهبي في تحديد فعاليّة التّدخُّل. تصميمها متفوّق في ضبط المؤشّرات التي من المرجَّح أن تشوّش النتائج (وهي ما يُسمّى بـ”عوامل الإرباك والتّحيُّز). هنالك مصدران قيِّمان للاطّلاع على هذه الأساسيات: طلّاب من أجل أفضل الأدلّة ، وأنواع تصاميمِ الدّراساتِ السريريّة من جامعة ولاية جورجيا.
يبيِّن الرَّسم التوضيحيّ أدناه أفضل الممارسات في تقييمِ قوّةِ الأدلّة. لاحظ أن آراء الخبراء تقع في أسفل الهرم.
ويمكن الاطّلاع على نسخة أبسط هنا:
كن على علمٍ بأن مفهومَ هرمِ الطّبّ القائم على الأدلّة ينبغي أن يكون موضع تساؤلٍ أيضًا. بينما نعتبر أن التّجارب المضبوطة المعشّاة هي المعيار المرجعيّ لدراسةِ العلاقات السببيّة، يعتبر التحليل التّجميعيّ (meta-analysis) – وهو تحليل منهجيّ ومراجعة لمختلف الدّراسات والنّتائج – للتّجارب المضبوطة المعشّاة أفضلَ مصدرٍ للأدلّة. ضع في اعتبارك أنه إذا كان هنالك عيوب في دراسات التّحليل التجميعي فلن تكون نتائجها موثوقة أيضًا. وعلاوة على ذلك، غالباً ما تخلص التّحليلات التجميعيّة ( كالتي نشرتها Cochrane) إلى عدم وجود أدلّة كافية للإجابة على السّؤال البحثي، وهو ما لا يرغب الصحفيون بسماعه في العادة.
الكتابة عن مواضيع الصحّة تتطلّب أن يكون الصحفيّ على دراية بالعديد من العيوب في البحوث السريريّة. تُنشر التّجارب التي تُظهر نتيجةً “إيجابية” مهمّة، بينما لا تُنشر الدّراسات “السلبيّة” في معظم الأحيان. بعض أنواع الدراسات أكثر عُرضةً للتحيّز من غيرها، الذي يعرّفه دليل كوكرين بأنّه “خطأٌ منهجيّ، أو انحرافٌ عن الحقيقة”. هنالك مصدرٌ آخر هو دليل التّحيز، وهو مشروعٌ تعاونيّ جمعَ كلّ التّحيزّات التي تؤثّر على الأدلة الصحيّة.
هنالك خطأ يقع فيه الصحفيون في كثير من الأحيان، وهو الخلط بين الارتباط والسببيّة. قد نميل أحيًانا نحو إيجاد رابطٍ بين ظاهرتين، ولكن يجب أن تسأل أولاً إذا كان هنالك علاقة سببيّة حقيقيّة. عالم الرياضيات “روبرت ماثيوز” يعطي مثالا جميلاً على ذلك: انه يظهر علاقة ذات دلالة إحصائية عاليّة بين أعداد طائر اللقلق ومعدلات المواليد في أنحاء أوروبا.
قليلون منْ يُدركون الممارسات الاحتياليّة التي تحدث أحيانًا في مجال البحوث الصحيّة. هنالك دراسات قائمة على مرضى وهميين، أو مكتوبة من قبل مؤلّفين مَخفيين. هناك الكثير من الأدبيّات حول هذه الممارسات، ومن الجيّد الاطّلاع عليها. ألقِ نظرةً مثلاً على الدّراسة المنشورة على Retraction Watch التي قام بها باحثُ سرطان مُتوفّى حائز على جوائز، التي تم سحبها لأن بعض المرضى كانوا “مُختَلَقين”وأمثلة “إيفان أورانسكي” في مقابلته مع صحيفة التايمز الإيرلندية، الأزقّة المظلمة لعالم النّشر العلمي.
الخطأ الأكثر شيوعًا الذي يرتكبه معظم الصحفيين هو استخلاصُ استنتاجاتٍ خاطئة من الأدلّة العلميّة الضّعيفة. التحقْ بهذا المساق المجاّني على الإنترنت: أساليب البحوث الوبائيّة من كلّية Eberly للعلوم في جامعة ولاية بنسلفانيا.
النّصيحة الثّالثة: القِيَم المُطْلقة والتردّدات الطبيعيّة
لسنا جميعًا إحصائيين موهوبين. إلا أنّ الأرقام مهمّةٌ للاستقصاء عن الصحّة. لا تتردد واختبر درجة إلمامك بالمخاطر (متوفّر باللغات الإنجليزيّة والألمانيّة والفرنسيّة والهولنديّة والإسبانيّة) وأبقِ في اعتبارك أنّه عندما يتمّ إطلاقُ دواءٍ جديد أو سياسة صحيّة جديدة أو قانون و\أو الترويج له، فإن التّركيز يكون على فوائده. لسوء الحظ، لا يكفي أن نضيف المخاطر إلى الصّورة فحسب.
من الضّروري فهم العلاقة بين الفوائد والمخاطر، وهذا ليس سهلاً، لأن قدرتنا على التفكير المنطقيّ محكومة بما يسمّى الاستدلالات الحُكميّة أو الاختصارات المعرفيّة، ممّا يؤدي إلى منطقيّةٍ محدودة. وبسبب هذه الظّواهر المدروسة جيّداً، عادةً ما نجد صعوبةً في التّعامل مع الاحتمالات، وخاصةً مع النّسب المئويّة.
هل تشعر بأن الأمور قد اختلطت عليك؟ ألقِ نظرةً على الرسم التّوضيحيّ أدناه. إنها الأرقام ذاتها. أيّهما أسهل للفهم؟
وقد يقدّمُ المدافعون عن نتيجةٍ معيّنة المعلوماتِ التي يريدون التّأكيد عليها كنسبةٍ مئويّة، بينما يذكرون المعلومات التي لا يريدون إبرازها على شكل أرقام مُطلَقة. لذا، انتبه إلى طريقة عرض البيانات. الأرقام المطلقة تعطي تمثيلاً أوضح من النّسب المئويّة.
المثال التالي من غيرد جيجيرنزر والمؤلّفين المشاركين من مركز “هاردينغ” للإلمام بالمخاطر، يُظهر لنا التضليل الصّارخ في هذه النسّب:
“في عام 1996، أفادَ استعراضٌ لفحص التّصوير الشّعاعي للثّدي في ملخّصه عن انخفاض بنسبة 24% في الوفيّات النّاجمة عن سرطان الثّدي؛ وادّعى استعراضٌ أُجريَ سنة 2002 وجود انخفاض بنسبة 21%. وبناء على ذلك، نشرتْ الكتيّبات الصحيّة والمواقع والدّعوات أن نسبة الاستفادة بلغت 20% (أو 25%). هل كانت العامّة تعرف أن هذا الرّقم المثير للإعجاب يعني انخفاضًا من حوالي خمس إلى أربع نساء من كل 1000 امرأة، أي 0.1%؟ الإجابة: لا. وفي عيّنة حصّةٍ تمثيليّة في تسعة بلدان أوروبيّة، قامت 92% من حوالي 5000 امرأة بالمبالغة في تقدير الفائدة 10 أضعاف، و100 ضعف، وأكثر، أو لم يكنّ يعرفن. مثلاً: 27% من النساء في المملكة المتّحدة يعتقدن أن من بين كل 000 1 امرأة تمّ فحصهن، فإن عدد النّساء اللواتي سيمتن بسرطان الثدي سيقل بـ 200 امرأة. ولكن لم يُضلَّل المرضى فقط، فعندما سُئل 150 من أطبّاء النسائيّة عن معنى “خفْض وفيّات سرطان الثدي بنسبة 25%”، أجاب 31% منهم أنه مقابل كل 1000 امرأة تم فحصهنّ، فإن فإن عدد النّساء اللواتي سيمُتنِ بسرطان الثّدي سيقلّ بـ 25 أو 250”.
وغالباً ما تكون نسبة التعرُّض (المخاطر النسبية) مدهشةً أكثر، وبالتّالي فهي مقنعةٌ ومواتية أكثر من وجهة نظر الشّركات والمروّجين لأيّ حملةٍ للصحّة العامّة، أكثر من التعرُّض باستخدام القِيَم المُطلقة (المخاطر المُطلقة). اقرأ على HealthNewsReview.org عن هذه المسائل واطّلع على المثال البسيط الذي قدّموه في هذا الرسم التّوضيحي.
يبدو الأمر معقدًا ولكن المثال سيبسّطه.
من الضّروري أن تعبّر في تقاريرك عن جميع الأرقام بنفس الطّريقة، أي باستخدام النّسب المئويّة أو الأرقام المطلقة. هذه هي الطّريقة الوحيدة التي يمكن أن تُفهَم من خلالها المخاطر والفوائد والبدائل (أحد البدائل مثلاً: ألّا تفعل شيئاً) بشكلٍ صحيح. أيضًا، فكّر باستخدام الأرقام المطلقة في تقاريرك لأنّها ستمكّنُ المزيدَ منَ الأشخاص منْ فهمها.
من الأمثلة على الممارسات الفضلى هي صناديق الحقائق والرسوم التكراريّة عن سرطان الثّدي والبروستاتا التي يعدّها مركز “هاردينغ” للإلمام بالمخاطر، حيث يتمّ تقديم الفوائد والأضرار باستخدام القيَم المُطلقة والقابلة للمقارنة على الفور؛ والبيانات هي تحليلات تجميعيّة للتجارب المضبوطة.
النّصيحة الرّابعة: احذر من الأخطاء، واقرأ الورقة البحثيّة.
احذر من أن تضع في تقريرك جملةً على هذه الشاكلة: “دراسةٌ رائدةٌ نشرتْها المجلة الفلانية المرموقة…”، فالمجلّات الطبيّة الحيويّة تتأثر بالكثير من القضايا، مما يستدعي التّدقيق حتى على أكثر المجلات المرموقة، ولا يمكن اعتبارها موثوقةً بحدّ ذاتها.
لتفهم الموضوع بشكلٍ سريع، شاهد تسجيل الندوة التي عُقدت في كلية ليفربول للطب الاستوائي وتحدّثت فيها رئيسة تحريرBritish Medical Journal “فيونا غودلي”: لماذا يجب عليك ألّا تصدق ما تقرأه في المجلّات الطبية. تناقش “غودلي” عيوبَ نظامِ مراجعة الأقران. كما تحدّثت بصراحة عن كيفية تأثير نموذج الأعمال المتبّع في المجلّات العلميّة، وخاصّة الإعلانات، على محتوى المجلّات. كما تعتمد المجلّات على “إعادة الطّبع”، أي نُسخ مطبوعة بالجملة من الدّراسات المنشورة التي يدفع ثمنها قطاع صناعة الأدوية وتُستخدم لأغراض التّسويق.
هناك الكثير من الأدبيات السّابقة حول التّأثير التّجاري على محتوى المجلّات الطبّيّة. أيضا، من المهم أن ندرك أن المسيرة المهنيّة للباحثين تتأثر بظواهر مدروسة مثل “إمّا أن تنشرْ أو أن تزول” وما يسمّى “عامل التّأثير” (إلى أي مدى يتم الاقتباس من المجلّة). كما يتعيّن على العلماء جذب التّمويل إلى مؤسساتهم، ممّا يمكن أن يخلق تضاربًا في المصالح لا علاقة له بالعلم أو بالصّالح العام. يجب أن تطّلع على هذه الورقة المفيدة في كل حين التي كتبها “جون ب.أ إيوانيديس” : ما الذي يجعل معظمَ نتائجِ البحوث المنشورة كاذبة.
للأسف، آليات معالجةِ هذه المسائل قليلة. إحدى هذه الآليات هي سحب الدّراسة (يتمّ سحب دراسةٍ من النشر إذا تبيّن أنّها تحتوي أخطاء مهمة). ومع ذلك، فّإن سحبَ الدرّاسات أمرٌ نادر الحدوث. اطّلع على Retraction Watch، فهو مصدر رائع للعثور على القصص.
إذن كيف يمكننا التّعامل مع هذا التّعقيد كصحفيين؟ هنالك طريق مختصر، وهو البحث في المجلّات المستقلّة فعلاً عن قطاع صناعة الأدوية. هنالك عدّة مجلات من هذا النوّع في العالم، وكلها منضمّة إلى الجمعيّة الدوليّة لنشرات الأدوية.
من الأفضل أن تبحث عن أفضل الأدلّة المتوفّرة بنفسك، كما تبحث كصحفيّ في أيّ مجال آخر. وهذا يعني: ابحثْ، ابحثْ، ابحثْ. ولا تكتفِ بقراءة ملخص الدّراسة. اقرأ النّص الكامل دائمًا، بغضّ النّظر عن المجلّة، أو المؤلّف، أو ما قاله لك أحد الخبراء. ولكن هذا عملٌ شاق يتطلّب وقتًا وصبرًا، وأن تكون قد اكتسبت معارف أكثر من المستوى الأساسي في المنهجيّات واستراتيجيّات التّقييم النّقدي.
أين يمكنك أن تجد الدّراسات العلمية؟ PubMed، من مكتبة الولايات المتّحدة الوطنيّة للطب (NLM)، وهي قاعدة بيانات مجانيّة ويمكن البحث فيها عن أكثر من 30 مليون اقتباسًا وملخصًا من الدراسات الطبية الحيوية. MEDLINE، أيضًا من NLM، هي قاعدة بيانات ببليوغرافية تضمّ أكثر من 26 مليون إشارة إلى مقالات المجلات في علوم الحياة، مع التركيز على الطبّ الحيويّ. ومع ذلك، فإن العديد من الدراسات ليست مفتوحة، مما يضع الحواجز في طريقِ الرّاغبين في البحث والتحقيق. يعمل معظم العلماء في مؤسّساتٍ مُموّلة من القطاع العام، ولا تدفع المجلّات للباحثين عندما ينشرون دراساتهم. ومع ذلك، فإن المجلّات تتقاضى من نفس المؤسّسات اشتراكاتٍ باهظة الثمن. اقرأ المزيد في هذه المقالة من EBMLive: البحث بدون مجلات.
بعض الأوراق التي تتطّلب الدّفع للحصول عليها، قد تكون متوفرة أحيانًا على الإنترنت، أو يمكنك إرسال بريد إلكترونيّ إلى المؤلفين أو إلى مؤسستهم، واطلب نسخةً من الدرّاسة للمراجعة. قد لا تكون هذه الاستراتيجيات كافية؛ فإذا كنت ترغب في إجراء بحثٍ عميق، كما ستحتاج للحصول على العديد من الدّراسات وقراءتها. إذا كان لديك ميزانية سخية، فيمكنك ببساطة أن تدفع للوصول إلى الدّراسات التي تريد قراءتها. في PubMed، ستحصل على رابط للوصول إلى صفحة النّاشر حيث يمكنك الدّفع.
ونظرًا إلى أن معظم العلماء والصحفيين الاستقصائيين الطبيين لا يمكنهم أن يدفعوا مقابل الحصول على عدد الدراسات الكبير الذي يلزمهم في العادة للبحث في قضيةٍ ما، فالموقع الذي أسسته العالمِة والمبرمجة الكازاخستانيّة “ألكسندرا إلباكيان” موجود لمساعدتكم: Sci-Hub: لإزالة جميع الحواجز في طريق العلم. يتيح موقع “إلباكيان” الوصول إلى عدد كبير من الدراسات العلميّة التي عادةً ما تشترط الدّفع للوصول إليها. تصف “إلباكيان” نفسها ومشروعها على موقعها الشّخصي. كما يمكنك أن تقرأ عنها في مجلّة Science. أجبرت الدعاوى القضائية من قِبل النّاشرين “إلباكيان” على ترحيل موقع Sci-Hub بشكل مستمرّ إلى دومينات جديدة، ويتمّ نشرها بانتظام على تويتر.