صحفيّ السّجن يثبت الحاجة إلى الصّحافة الحرّة حتّى خلف القضبان

Print More

الصورة: ميشيل بيتشر لـ Texas Observer

نُشرت هذه المقالة في الأصل لدىTexas Observer ، وهي منصّة إخباريّة استقصائية غير ربحية وعضو في GIJN. قم بالتّسجيل لتتلقّى نشرتهم الإخباريّة الأسبوعيّة، أو تابعهم على فيسبوك وتويتر. ينفّذ “جيسون رينو ووكر” حاليًا عقوبة بالسجن لمدة 18 عامًا في سجن ولاية تكساس بتهمة السطو المترافق مع ظروف مشددة.

هنالك طلب في الحاشية في نهاية الرّسالة.

يكتب “جيسون ووكر” اسم والدته المقيمة في “سان أنجيلو”: “من فضلكِ أن تكوني المنظِّمة في حال استدعت الحاجة تنظيمَ جنازة”.

سُجِنَ “ووكر” دون انقطاع لدى وزارة العدالة الجنائية في تكساس (TDCJ) منذ 2008، حيث نُقل من وحدةٍ إلى أخرى مع تزايد التّهديد لسلامته. لقد بات لاسمه صدىً كبير داخل السّجن لكونه صحفيًا يكشف الفضائح.

كتب “ووكر” سنة 2018 من داخل وحدة “تيلفوردفي أقصى شمال شرق تكساس، وحوّله ذلك التّقرير إلى شخصيّة شبه مشهورة داخل الوزارة. تغلغل قنب K2  في الوِحدات، وهو قنب اصطناعي قد يؤدّي إلى الهلوسة. أفاد “ووكر” أن القنب اكتسب داخل السّجن ألقابًا مثل: “تون”، “توتشي” و – الأكثر شؤمًا – “متْ من فورك”. وأكّد متحدّثٌ باسم الوزارة وقوع ثلاث وفيات للسجناء سنة 2020 ووفاة واحدة سنة 2021 نجمتْ عن “سُمِّيَّة القنب الاصطناعي”. إلا أن المشكلة لم تكن خاصةً بسجون تكساس: كان قنب K2 مصدر قلق صحّيٍ كبيرٍ في السجون في جميع أنحاء البلاد، حيث تسبب في 13 حالة وفاة في سجون أركنساس في عام 2017 ووصفته صحيفة Miami Herald بأنّه سبب الوفيات العرضيّة في سجون فلوريدا.

تقاريره من وراء الكواليس، والتي أشارت إلى تورُّط الحرّاس المزعوم في إدخال المخدّرات إلى السجون،لفتت أنظار صحيفة San Francisco Bay View National Black. وقال “ووكر” إن عمله الصحفي يهدف إلى حماية السّجناء، وجعل الوضع أكثر أمانًا، وردّ المظالم التي يشهدها في السجن. قال إن بعض الناس يستهدفونه بتهمة “الوشاية”، لكن هذا تحريف لما يفعله.

منذ نُشِرَ مقال K2، تم نقل “ووكر” أكثر من عشر مرّات. نُقِل في الآونة الأخيرة إلى وحدة Powledge في شرق تكساس وتمّ وضعه في الحماية الوقائيّة – وهو تصنيف للسّجناء الذين “يحتاجون إلى أعلى مستوى من الحماية في بيئةٍ أكثر ضبطًا من غيرهم من عامة مرتكبي الجرائم، بسبب التّهديدات بالأذى من قبل الآخرين أو احتماليّة كبيرة لتعرّضهم للإيذاء” بحسب الوزارة. اعتبارا من آب 2022 كان هناك قرابة 1200 سجين خاضعين لنوع من أنواع الحماية في سجون الوزارة. 

يعيش “ووكر” وحيدًا في زنزانة بلا نوافذ، فيها سريرٌ عاديّ ومغسلةٌ ومرحاض، ولكنه يملك تلفزيونه الخاص. سيستغرق الأمر عدّة أشهر قبل أن يتمّ النظر في مستوى أمنيٍّ مختلف يسمح له بالاختلاط مع عددٍ صغير من السجناء في المناطق المشتركة. في الوقت الحالي، يقضي معظم وقته – بما في ذلك وقت الترفيه – بمفرده.

تحدّث ووكر عن تهديداتٍ ومحاولاتٍ متعدّدة لاغتياله في رسائل أرسلها إلى الأصدقاء والناشطين، وفي دعاوى الحقوق المدنية ضدّ مسؤولي السّجن، وفي مقابلةٍ مع تكساس أوبزرفر. وبعد التحدّث مع الأوبزرفر، قال إن نسخةً من رسالةٍ تحتوي على تفاصيل حول تهديدات لحياته طُبعت بطريقةٍ ما وأُعطيت لسجينٍ آخر على الأقل. احتوت الرسالة على اسم “ووكر” ورقم هاتفه الخلوي.

روى “ووكر” حالات تعرّض فيها للهجوم بمحرِّك مروحة وعن تهديده بأدوات حادّة، بالإضافة إلى رؤية ملاحظاتٍ تشير إلى استئجار قاتل مأجور لقتله. وقال إنه تعمّد إيذاء نفسه في مرحلةٍ ما حتى يتدخّل الممرضون لحمايته من السّجناء الآخرين. تحصّنَ ذات مرة في زنزانته لعدّة أيام بسبب الخوف.

تلاحق التّهديدات “ووكر” من وحدة إلى أخرى حيث يتواصل السّجناء عبر الهواتف المحمولة المهرّبة في كل مرّة يتمّ نقله فيها. في مرحلة ما، حاول الحصول على أمر بعدم التعرُّض كان قد يؤدّي إلى نقله خارج تكساس، لكنّه لم ينجح.

وقد تم إثبات بعض ادعاءاته من قبل مسؤولي السجن. أوصت لجنة تصنيف وحدة Ellis بنقله في كانون الثّاني 2019 بعد أن أفاد بأن “العديد من الضّباط ومرتكبي الجرائم” أرادوا قتله. خلص تحقيقٌ مستقل أجرتْه الأمانة العامة للتظلمات في السجن في آذار إلى أن “التهديدات بالعنف ضدّه لن تتوقّف”.

ادّعى “ووكر” في دعوى قضائية عام 2017 أن الحرّاس كانوا على علم بتقاريره عبر الإنترنت وانتقموا منه لكشفه سوءَ السلوك. رفض قاضٍ معظم الدعوى في عام 2020، لكنه أوصى بفصل اثنين من موظّفي السّجن بزعم سرقة أموال من حسابات “ووكر”. أكّد في الدعوى القضائية أن إحدى الموظّفات اعترفت بأنها “تسرق من السّجناء الذين يحبّون البكاء مثل الأطفال ونشر بكائهم على الإنترنت”.

طلب المراقب سجلّات من لجنة التّصنيف التّابعة لوحدة Telford، وكذلك نتائج تحقيق حماية السّجناء الذي أُجري نيابة عن “ووكر”. وطلبت الوكالة من مكتب المدّعي العام في تكساس أن يقرر ما إذا كان سينشر المعلومات.

أطلق قسمُ العدالة والكتابة في السجون في نادي القلم الأمريكي (PEN America) حملةً هذا العام من أجل “ووكر”. وبحسب “مويرا ماركيز” المديرة في القسم “لقد أدركنا على الفور أن هذة حالة أدّت فيها الكتابات المنشورة لأحدهم إلى تعريض حياته للخطر. وكان علينا أن نتدخّل ونناصر”.

prison journalist safety appeal PEN America Jason Renard Walker

الصورة: لقطة شاشة، PEN America 

أطلقت المنظّمةُ عريضةً “لحماية حياة “جيسون ووكر”، وهو صحفيٌّ استقصائيٌّ كشف عن مخالفات في نظام السجون في تكساس.” قالت المنظّمة في بيان علنيّ إن وضع “ووكر” “يسلّط الضّوء على المخاطر التي يواجهها السجناء عندما ينخرطون في الكتابة أو الصّحافة، ويوضح أهميةَ حمايةِ حرية تعبيرهم”. ووفقًا للمنظمة، استجاب مئات الأشخاص لهذه الدعوات من خلال التّوقيع على العريضة أو إرسال بريد إلكتروني فردي إلى مسؤولي الدولة.

هنالك مجموعةٌ كبيرةٌ خارج السّجن تراقب سلامة “ووكر” عن كثب.

تتراسل “روز ك. مورفي” مع “ووكر” منذ عام 2018، عندما تواصلت مع العديد من السجناء في أعقاب إضراب السجون الذي شاركت فيه كلّ الولايات. في النهاية، أخبرها “ووكر” عن عمله الصّحفيّ. بحثتْ عنه على الإنترنت واكتشفتْ مدى تأثيره. قالت “مورفي
: “أدركتُ أنّه صحفيٌّ حقيقي، فهو شخص يحاول فضح انتهاكات السجون ويحاول إصلاح الأمور من الدّاخل مخاطِرًا بنفسه مخاطرةً كبيرة”.

قدّمت “مورفي” المساعدة لـ” ووكر” في النّشر على مدوّنته لفترة ويقوم الآن متطوعون آخرون بهذا الدّور.

قالت “مورفي” : “إنه لأمر جلل أن تعرف أنّك ستُسْتهدف و [تستمر في كتابة المقالات] على أي حال”. وقالت إن “ووكر” اضطر في السابق إلى إملاء مقالاته عبر الهاتف على شخص يمكنه تفريغها مكتوبةً. إنه ملتزمٌ جداً كمراسل ويأخذ دوره على محمل الجد”.

المستشفى الذي ولد فيه “ووكر” عام 1980 هو نفسه الذي نقل إليه جون إف كينيدي بعد إطلاق النار عليه في دالاس عام 1963.

انتقل ووكر مع جدته “ديليا ووكر” إلى أوكلاند – كاليفورنيا، حيث نشأ وترك المدرسة في النهاية في الصّف السّابع. عندما قررت “ديليا” العودة إلى تكساس في أواخر التسعينات، طلب “ووكر” الذي كان مراهقًا حينها أن يرافقها. قال “ووكر”: “لقد كانت كلّ ما عرفته طوال حياتي، لذلك شعرتُ عندما غادرتْ أنني بحاجة للذهاب معها”.

سيقضي “ووكر” جزءًا كبيرًا من حياته في تكساس خلف القضبان. إنه المكان الذي سيكتشف فيه الصّحافة. كان قارئاً طوال حياته – معظم قراءاته كانت من الروايات غير الخيالية أو روايات “إنديانا جونز” عن المغامرة – أصبح كاتبًا بمساعدة زميله في السّجن.

عندما وُضع “ووكر” في العزل الإداري سنة 2010 بدأ في توثيق تجربته  وتدوين التّواريخ والأوقات التي شهد فيها شيئًا عنيفًا أو مثيرًا للقلق. وقال إنه وطوال سبع سنوات كان جالسًا في الصف الأول ليتفرّج على “السلطة المُطلقة دون رقيب”. بعد ثلاث سنوات من سجنه، التقى “كيفن راشد جونسون” وهو كاتب وفنان وناشط مسجون. علّم “جونسون” زميلَه “ووكر” المزيد عن الكتابة، حتى أنه سمح له بالنّشر على موقعه على الإنترنت. قال: “هذا هو المكان الذي بدأت فيه”.

بدأ “ووكر” في نشر القصص التي تغطي عمليات إخراج السّجناء غير المتعاونين من الزنازين، والتعليم في السّجون، وقضايا المخدرات في الوحدات. جاءت أفكار قصته بشكل طبيعي – فقد كان في كثير من الأحيان يشهد شيئًا مباشرةً، ويذهب بعدها “للتحدُّث مع السّجناء الآخرين، ولمعرفة ما إذا كانت هذه الأشياء قد حدثت من قبل، وأحقق في أي حسابات قديمة “، قال “ووكر”. وكثيرا ما كان يطلب من أصدقائه في الخارج تقديمَ طلبات رسميّة للحصول على المعلومات ليطّلع على خلفيات موضوعه. أسّس مدوّنته الخاصة سنة 2019 بمساعدة حبيبته في ذلك الحين.

استخدم في إحدى الوحدات آلةً كاتبةً لكتابة قصصه، وكذلك كتابه “تقارير من داخل بطن الوحش”. ولكن في وحدات أخرى، كان عليه أن يكون أكثر حيلة. “ذات مرّة [كتبتُ] على ورق التواليت. كتبتُ على أكياس ورقيّة. كتبت داخل الكتب. خرْبشتُ على الحائط». “[أحيانًا] أحتاج إلى الكتابة، لكنني لا أجد شيئًا لأكتب عليه. في بعض الأحيان أنظر في أنحاء الزنزانة وقد أجد القليل من رصاصِ قلمِ الرّصاص”.

قصته عن قنب K2 في السجون – القصة التي سببت له الكثير من الأسى منذ نشرها عام 2018 – هي في الواقع أكثر القصص التي يفخر بها. وقال إنه قبل أن يكتب القصة، بدا الناس غير مبالين بالضّرر الذي تسبّبه المخدّرات داخل السجون. قال: “إنه شيء كان الناس يخافون من الكتابة عنه، ويمكنك أن ترى سبب خوفهم”. “لستُ نادمًا على أيّ شيء”.

سلّط عملُ “ووكر” الصحفيّ الضّوءَ على قضايا حقيقية ومستمرّة داخل الوزارة. جاءت تقاريره عن وباء K2 في وقت كان فيه مسؤولو السّجن المجهولين يقولون لـ Houston Chronicle إن هذا النوع من المخدرات بات المفضّل لدى السّجناء. في الوقت نفسه، بين عامي 2001 و 2018 ارتفعت الوفيّات المرتبطة بالمخدرات والكحول بأكثر من 600 في المئة في جميع أنحاء الولايات المتّحدة.

كان العقار الاصطناعي يشقُّ طريقه إلى السجون من خلال القنوات المعتادة، بما في ذلك تهريبه من قبل الحراس أنفسهم.  أظهر تحقيقٌ مشترك أجرتْه  Texas Tribune ومشروع مارشال عام 2021 أنه عندما حاولت الوزارة وقف تدفُّق المخدّرات إلى السجون عن طريق اتّخاذ إجراءات صارمة ضدّ البريد – وعندما أدّى وباء كوفيد 19 إلى منع الزيارات – استمرت المخدّرات في الدّخول. دلّ هذا على أن حرّاس السجن أنفسهم كانوا المسؤولين عن جزء كبير من المخدرات المخبّأة. وقال “جيف أورمسبي” رئيس إحدى نقابات ضباط الإصلاحيات في الولاية، للجريدتين إن “الموظّفين القذرين مشكلةٌ كبيرة”.

“يتمّ إسكات المسجونين بعدائيّة”، قالت “ماركيز” من نادي القلم الأمريكي وأضافت “لماذا كان من المهم ألّا نسمع عن تداول المخدرات بشكلٍ شرعيٍّ داخل السجون حاليًت؟ لماذا قد يهتمُّ شخصٌ ما بالتستُّر على ذلك إذا كان مهتمًا بشكل مشروع بالوصول إلى حلٍّ للنّشاط الإجرامي؟ حالة “جيسون” واضحة جدًا. نحن ندعمه بقوّة”.

كان “ووكر” مؤهلاً للإفراج المشروط منذ عام 2017 وتمّ رفضه مؤخرًا في عام 2020. أحد الأسباب التي ذكرها مجلس الإفراج المشروط: “الانضباط المسؤسسي للجاني ليس مُرضيًا”. من المقرّر إطلاق سراحه سنة 2026، ولكنه سيُنقل حينها إلى سجنٍ فيدرالي لقضاء عقوبة إضافيّة.

أمضى الأشهر الأخيرة في النضال بلا كلل من أجل سلامته – وقال إنه الوقت الذي كان من الممكن أن يخصصه للعمل الصحفي كان محدوداً جداً. قال: “وكأنني في قارب يتقاذفه الموج”. “منذ فترة وأنا أُنقل من وحدة إلى أخرى. في كل مرةٍ أُنقل فيها أفقد ممتلكاتي وأفقد معارفي ويخاف النّاس منّي”.

لكنه سيعود إلى العمل الصّحفي مهما كلّف الأمر.

وقال: “يتعيّن عليك أحيانًا أن تخاطر بحياتك للحصول على المعلومات”.

ميشيل بيتشر كاتبة في صحيفة تكساس أوبزرفر ، تغطي العدالة الجنائية والإسكان والتعليم. حصلت على درجة الماجستير في الصحافة من جامعة كاليفورنيا – بيركلي وكانت عضوًا في فريقِ مشروعِ مارشال الذي فاز بجائزة بوليتزر للتّقارير الوطنية. ظهرت تقاريرها على NPR و FiveThirtyEight و The Dallas Morning News وغيرها. وُلدت ميشيل ونشأت في دالاس وتقيم الآن في أوستن.


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *