العنف الجنسي تابوه معقّد ما زال الصحفيون يسيئون فهمه. الانتباه إلى وقوع العنف الجنسي، وحماية المصادر، والعمل الصحّفيّ الأخلاقيّ يمثّل تحدّيًا خاصةً في زمن الحرب. كما كانت الحال في الصّراعات في سوريا ويوغوسلافيا السابقة، تتصدّر التّقارير عن العنف الجنسيّ خلال الغزو الرّوسيّ المستمر لأوكرانيا عناوين الصّحف. كيف يمكن للصحفيين تغطيتها بمسؤولية؟
بهدفِ تبادل أفضل الممارسات، عقدت الشّبكة الدّوليّة للصّحافة الاستقصائيّة مؤخرًا ويبينارًا عن التحقيق في العنف الجنسي المرتبط بالنّزاع والإبلاغ عنه. في الثّالث من تشرين الثّاني الجاري ناقش المتّحدثون “أليكس فويلمين” و”لورين وولف” و”جافين ريس” الجوانب المتعدّدة لهذا الموضوع الصّعب، وتُرجم الويبينار فوريًا إلى الفرنسيّة والإسبانيّة والرّوسيّة.
تحديد العنف الجنسي أو الجنسي
أولاً: ملاحظة حول المصطلحات. يستخدم الخبراء بشكل متزايد مصطلح “العنف المُجَنْسَن” (عنف تُضفى عليه طبيعة جنسيّة) sexualized violence بدلاً من مصطلح “العنف الجنسيّ” sexual violence لتوصيفِ دافعِ الجاني بدقة، وهو ممارسة السّلطة والهيمنة بدلاً من تحقيق الإشباع الجنسيّ. يستخدمُ البعضُ المصطلحين بحيث يمكن أن يحلَّ أحدُهما مكان الآخر.
وناقشت “أليكس فويليمين”، كبيرة مستشاري المناصرة في المبادرات النّسائيّة من أجل العدالة الجندريّة، المبادئ الأساسيّة لكيفية ظهور هذه الجرائم في مناطق الحرب والنّزاع.
“طالما هناك صراع، سيكون هناك عنفٌ جنسيٌّ دائما”، قالت “فويلمين”.
يُعرَّفُ هذا النّوع من العنف بأنّه “الأفعال المتعمَّدة التي تتمُّ دون تراضٍ وذات الطبيعة الجنسية التي تحدث أثناء نزاع أو تكون مرتبطةً به، والتي يرتكبُها أو تُرْتَكب ضدّ أيِّ شخصٍ بغضّ النّظر عن العمر أو الجنس أو الجندر”.
وأكّدت “فويلمين” أن العنف المُجَنسَن ليس مرادفًا للاغتصاب. من الأمثلة على العنف الجنسيّ: تشويه الأعضاء التناسليّة (ختان البنات)، والتّعرّية القسريّة، وتسجيل أو مشاركة الصّور الحميمة، والإذلال الجنسيّ مثل إجبار شخص ما على ارتداء ملابسِ نوع اجتماعي مغاير لتصوّره عن نفسه، والتحرُّش الجنسي.
وأشارت “فويلمين” إلى أن هناك مؤشّرات خارجية يمكن أن تتنبّأ بالعنف المُجَنسَن. فحالات الاختفاء، وعمليات الإجلاء، ومداهمات المنازل، وانتشار الأسلحة والأسلحة الصّغيرة، والاحتجاز في المعسكرات ونقاط التّفتيش، ونقل الجنود بعد النّصر أو الهزيمة، والنّهب، كلّها “مؤشّرات خطر” تُنبئ بوقوع العنف الجنسيّ في منطقة النّزاع.
يجب أن يطّلع الصّحفيّون على “مبادئ لاهاي بشأن العنف الجنسي” وهو إطارٌ دامِجٌ يركّز على النّاجين ويراعي الحساسيّة الثقافيّة، لأيّ شخصٍ يتفاعل مع الضّحايا.
تقول “فويلمين” إن العامل الرّئيسي لتحديد ما إذا كان شيءٌّ ما جنسيًا بطبيعته هو تصوّر الجاني أو الضّحية أو مجتمعاتهم عنه.
وفي كثير من الأحيان، يُستخدم العنف المُجَنسَن كسلاحِ حربٍ لأنه يستهدف مجتمعاتٍ بأكملها. يجب على الصّحفيين أن يتذكّروا أنه في الثّقافات القائمة على الشّرف، يتمّ استهداف المرأة بالعنف الجنسي لأنه قادرٌ على التّأثير على عائلتها ومجتمعها بأكمله.
مبادئ “عدم إلحاق الضّرر” وتقنيات المقابلة التي تأخذ الصّدمات بعين الاعتبار
بسبب التّداعيات التي يمكن أن يُلحقها العنف الجنسي بمجتمعاتٍ بأكملها، فإن اتّخاذ خطوات إضافيّة لحماية هويّات الناجين أمرٌ بالغ الأهميّة، كما قالت الصّحفيّة المخضرمة “لورين وولف“ الأستاذة المساعدة في جامعة نيويورك.
وقالت: “هل تفضّلُ أن تتسبّبَ بقتل أحدهم أم تفضّلُ أن تروي القصّة باسمٍ مستعار؟”، للتّأكيد على الخيار القاسي الذي يواجه الصحفيين الذين يغطّون هذا الموضوع.
ونقلت “وولف” أهمّية أن يكون المرء مُراعِيًا ومتكتّمًا عند التّعامل مع ضحايا العنف المُجنسَن. بدلاً من البحث في مخيّمات اللاجئين، ابحث عن المنظّمات غير الحكومية المحليّة التي تعمل مع الضحايا واطلب أن تتعرّف على شخصٍ مستعدٍّ للكلام. بمجرّد العثور على مصدر احرص على حمايته حتى لو وافق على كشف هويّته. إذا كان هناك خطر من المراقبة الرّقميّة من الشّرطة أو الحكومة مثلاً، لا تتواصل مع المصادر باستخدام الهاتف.
عندما يتعلّق الأمر بالمقابلة الفعلية، دع الناجي يقود المحادثة. تقول “وولف”: احرص على عدم إعادة تعريض الضحايا للصّدمة عندما تتأكّد من تفاصيل العنف المُجنسَن. لتجنّب هذه الأخطاء، إليك بعض النّصائح المهمّة لإجراء المقابلات من “وولف” و”جافين ريس“ من مركز دارت للصّحافة والصدمات:
– تمهّلْ. دع المصدر يحدّد وتيرة المحادثة. أعطِ المقابلةَ الوقتَ والاهتمام الذي تستحقه من خلال عدم التسرع.
– تجنب الأسئلة التي تبدأ بـ”لماذا”. يميل عناصر الشّرطة والمحقّقون إلى استخدام أسئلة تبدأ بـ”لماذا” وقد يكون هذا منفّرًا للضّحايا.
– لا تسأل عن تفاصيل دمويّة أو بشعة. هذه التّفاصيل في العادة ليست ضروريّة للقصّة. يمكن أن تؤدي إلى إضفاء صفة الإثارة على الحدث و تعريض الضّحيّة للمزيد من الضّرر من خلال دفعها إلى استعادة التجربة.
– مراجعة وشرح الموافقة. تأكّدْ من أن من تتحدث إليه مدركٌ للجمهور الذي سيرى قصّته وما إذا كانت ستُطبع (مشاركة محدودة) أو ستُنشر رقميًا (انتشار عالمي). لا تفترض أنهم يفهمون كيف تعمل التّقارير أو الصّحافة.
– اسأل عن السّياق. العنف المُجنسَن سلاحُ حرب. إنّ طرحَ أسئلةٍ مثل “ماذا كان يرتدي الجندي؟” و”ماذا قالوا؟” قد تساعد في معرفة ما إذا كانت الهجمات ناتجة عن أفعال فرديّة أو قرارات من القيادة.
– تحدّث إلى الطّاقم الطّبّي وطاقم الدّعم. بإمكان الأطبّاء والمعالجين النفسيين الذين يعالجون الضحايا تزويدك بمعلومات حول الظّروف المحيطة بالهجوم (مثل مكان العثور على الضّحايا، أو إنْ كان الجنود موجودين قبل الهجوم، أو إنْ حصل اجتياح).
– اتبع قاعدة الأثلاث. أولاً، اسأل المصادر عن الوقت الذي كانوا يشعرون فيه بالأمان والاستقرار، ثمّ اسأل عن الوقت الذي سبق العنف، ثم اختم بالتّركيز على الحاضر وما يفعلونه حاليًا وكيف يتعايشون. هذا يحول دون تركِ النّاس في خضمّ صدمتهم عند نهاية المقابلة. خصّص وقتًا أكثر للجزء الأخير من المقابلة.
يقدّم مركز دارت أوروبا تفصيلاً أكبر لأفضل الممارسات المتعلّقة بتغطية العنف الجنسي المرتبط بالنّزاعات.
فهم كيف تؤثّر الصّدمة على الذّاكرة والشهود
غالبًا ما يتعرّض الصّحفيّون لضغوط للعثور على مصادر، وتقديم قصص إخباريّة عاجلة، والتقاط الصور وتصوير مقاطع الفيديو قبل حلول مواعيد تسليم قريبة. هذا أصعب في منطقةِ النّزاع أثناء الإبلاغ عن العنف المُجنسَن.
وقال “ريس” إنه من المهم أن نفهم أن الصّدمة لها أبعاد بيولوجيّة ونفسيّة واجتماعيّة. وقد يشكّل هذا تحديًا أما الصّحفيين في عملهم. قد تكون ذكريات الضّحايا مُجزّأة أو غير مرتبّة زمنيًا نتيجةً لما يحدث في الجسم عند وقوع الصدمة. قد تكون هنالك ثغرات في قصصهم.
وذكر “ريس” أن استخدام النّصائح المذكورة أعلاه عند إجراء المقابلات مع المصادر والتأمكد من القصص من مصادر داعمة قد يساعد في سد الثّغرات.
“أسئلة على شاكلة: “ماذا يمكنك أن تخبرني عن …” يعطيهم الفرصة لإعطاء معلومات حول مواضيع يشعرون بالأمان عند التحدّث عنها”.
اطلب منهم الإذن مرّةً أخرى، بسؤالهم عمّا إذا كانوا موافقين على الحديث عن موضوعٍ معيّن، هذه طريقة لاقتراح الاستفساران بلطف حتّى لا تشعر الضّحية بأنّها مضطرة للإجابة. وأضاف “ريس” أنه من المهم عدم تسطيح النّاس واختزالهم. تجنّب كلمات مثل “مكسور” و “مدمّر” التي تشير على استمرار الدّمار.
وأخيرًا، ناقش “ريس” كيف أن المراسلين أنفسهم غالبًا ما يتعرضون لأحداث صادمة أثناء تغطيتهم لمناطق النّزاع. وأشار إلى أن الصّدمة الجنسية مزعجةٌ لمن يراها ولمن يسمع عنها، لذلك من المهم عدم التّقليل من حساسيتك والآثار التي يمكن أن يُحدِثَها هذا النّوع من التّقارير على الصحّة النفسيّة. طلبُ الدّعم أمرٌّ مهمٌّ لتجنُّب إرهاق التّعاطف، والإفراط في التماهي مع الأشخاص الذين قابلتهم، وتجنُّب انتهاك حدود العلاقة بين الصّحفيّ والمصادر.
كاتارينا سابادوس صحفيّة ملتميديا مقيمة في فانكوفر. تغطّي حاليًا سلاسل التّوريد في المركز العالمي لإعداد التّقارير. ظهرتْ تقاريرها وأبحاثها في NBC News و National Observer الكندية و The Tyee و The Toronto Star و OCCRP.