أقرّ مجلس الشّيوخ الأمريكي الأسبوعَ الماضي قانون PACT (قانون الالتزام بالتّعامل مع المواد السّامّة الشّاملة) الذي يقدّمُ الرّعاية الصّحّية والضّمان لملايين المحاربين القدامى الذين تعرّضوا للسموم أثناء خدمتهم العسكرية. ومن الجدير بالذّكر أن هذا الإجراء يوسّع الوضع الصحّي المفترض (يفترض أن الحالة الصحية ناجمة عن ما مرّ به المحارب أثناء خدمته العسكريّة) للحالات الطبّية المتعددة ليشمل قدامى المحاربين الذين خدموا في العراق وأفغانستان، حيث كانت حفرُ الحرق في الهواء الطّلق أمرًا شائعًا. كان الجيش يحرقُ طوال سنوات كل شيء، كالموادّ الكيميائيّة المهمَلة والذّخائر غير المنفجرة والنّفايات الطبّيّة في حفرٍ قريبة من المناطق التي ينام فيها الجنود ويتناولون فيها طعامهم. كانت “كيلي كينيدي” مديرة التّحرير في War Horse أوّلَ صحفيّةٍ تغطّي حُفَر الحرق والأمراض النّاجمة عنها بين أفراد الجيش العائدين من العراق وأفغانستان.
ظهرتْ قصّتك الأولى عن حفر الحرق سنة 2008 عندما كنت تعملين في Military Times. أخبريني قليلاً عن طريقة عثورك على تلك القصّة.
كيلي كينيدي: كان “دان كلير“ يعمل كمسؤولٍ عن الشّؤون العامّة [في الحرس الوطنيّ الجوّي]. كان يعمل أيضًا مع منظّمة “قدامى المحاربين الأمريكيين ذوي الإعاقة” في ذلك الوقت. لذلك كان يعمل في “بلد” [قاعدة للقوّات الجويّة في العراق]. كنت قد مررتُ هناك مؤخّرًا. في العام السابق ، كنت في “بلد”. كان الطّيارون هناك يستخدمون حفرة الحرق كمَعلَم حيث كان من الممكن رؤية النّيران والدّخان من على مسافة أميال. في مرحلةٍ معيّنة، كانت “بلد” تحرق 240 طنًا من النّفايات يوميًا في حفرة مفتوحة.
كان “دان” قد قدّم الفكرة بشكلٍ بسيط في عدّة أماكن. أخبرني صحفيّون آخرون إن الوضع كان جنونيًا للغاية. وكان هذا واضحًا. لن يفعل الجيش شيئًا سافرًا إلى هذا الحدّ، أليس كذلك؟ أرسل لي “دان” مذكّرةً من “دارين كورتيس“ [قائد الطيران البيئي الحيوي السابق في بلد] يقول فيها: “أنا قلق بشأن هذه الحُفر”. وصفَ باختصارٍ كلّ ما حدث منذ ذلك الحين، كما وصف ما سيصاب به النّاس من مشاكل صحّية في نهاية المطاف. كان الصحفيون الآخرون يقولون: “مستحيل. لم يكن هنالك أيُّ تمويه. الحفر على مرمى النّظر”. ولأنني عسكريّة سابقة قلتُ لنفسي “لا بدّ أنّها كذلك”.
لذلك بدأت في البحث في اللوائح التّنظيميّة والتّقارير. كان كلّ شيءٍ على الانترنت. كان هنالك لائحة تنظيميّة للجيش الأمريكي “حُفر الحرق ممنوعة”. كان من السهل جدًا وضع خريطة للقصّة. ليس مسموحًا لك أن تشعل حريقًا في فناء بيتك الخلفي في الولايات المتّحدة، أليس كذلك؟ لدينا هنا 240 طن وحفرة مفتوحة. لذلك لم يكن العمل على القصّة صعبًا، لكن لم يعمل عليها أحدٌ آخر.
كيف كانت ردّة الفعل على القصّة الأوّليّة؟
كيلي كينيدي: يا للهول. كان الوضع خياليًا. أتذكر الأيام التي تلَت -النّشر- أربكتْني القصص التي كنت أسمعها، وعدد المكالمات الهاتفيّة ورسائل البريد الإلكتروني التي كنت أتلقاها. كانت تنهال من كلّ صوب. بدأت بالعشرات وأصبحت بالمئات. كان الوضع جنونيًا. لم أكن أريد إلا أن أتوارى تحت مكتبي وأن أبكي لأن المرض كان قد أنهك الكثيرين.
أمّا وزارة الدفاع فقالت بالطبّع: “أوه، لا يوجد رابطٌ معروف”. لكن العلم لم يدعم ادّعاءهم.
لقد تمسّكتِ بالقصّة، وواصلتِ الكتابة عن حُفر الحرق. حدّثيني قليلاً عن ذلك وعن معنى أن تكوني قادرةً على إعطاء القصة مزيدًا من الوقت.
كيلي كينيدي: كانت القصّة الأولى للأرقام والعلم. أمّا القصّة التّالية فكانت للعثور على الوِحدة. كانوا يعيشون في منطقة سكنيّة على بُعد ميل واحد من حفرة الحرق. مجرّد القدرة على السفر لزيارة كل واحد منهم – كانوا حينها منتشرين في أنحاء الولايات المتحدة. وكان ذلك محزنًا أيضًا. كان اثنان منهم يستخدمان قوارير الأكسجين.
وبعد ذلك، بينما كنا نجري الاتّصالات، ألقت نظرةً على التّقارير التي أعدّها الآخرون. اتّصلتُ بطبيب في “فاندربيلت“ وقلتُ له: “مرحبًا، لقد قرأتُ الدراسة التي أجريتَها حول الفرقة 101 [المحمولة جوًا] ، وكيف يعودون وقد باتوا عاجزين عن التّنفُّس وكيف يصابون بالتهاب الشعيبات الهوائيّة”. فقال: “نعم، الأمر مضحكٌ. تبيّن أنّهم لم يتعرّضوا جميعًا لحريق مصنع الخرسانة الذي اعتقدنا أنّه السبب”. فقلت: “حسنًا، هل سمعت عن حُفر الحرق؟” تسارعت الأحداث بعدها وإذا به يدلي بشهادته أمام الكونغرس.
بدأنا نرى الرّوابط بين الأمور. القدرةُ على مواصلةِ العمل على القصّة على مدار سنوات عديدة لم يساعدني أنا فقط، بل ساعد الناس على إيجاد الرّوابط ومكّنهم من رؤية الأمور وفهمها. بدأ الأطبّاء يخبرون مرضاهم عن الموضوع. إنه أمرٌ مهمٌّ حقًا.
أقرّ مجلس الشيوخ مؤخرًا قانون PACT. وكان ذلك تتويجًا لحملة طويلة للحصول على إقرارٍ بالتعرُّض للموادّ السّامّة. ماذا حدث في السّنوات التي تلتْ تغطيتكِ لحُفر الحرق؟
كيلي كينيدي: كان هنالك الكثير من المماطلة. كان هنالك خطواتٌ صغيرة. عندما بدأنا في تغطية الموضوع لأوّل مرّة، كان هنالك جلسات استماع في الكونغرس – يجب أن نغلق حُفَر الحرق. لذلك بدأوا بتركيب المحارق (incinerators). وقامت قيامة الجميع وعقدوا جلسات استماع صاخبة، ثم خَفَتَ الاهتمام بالموضوع مرّةً أخرى.
كان هنالك صحفيّون آخرون يغطّون الموضوع، “ليو شين الثالث“ و”باتي كيمي“. كانت تغطيةً مستمرّة ومنخفضة المستوى، ولكنها لم تكن تُفضي إلى شيء. مرّت بعض الأمور. غيّرت إدارةُ شؤون المحاربين القدامى قواعدَها بحيث أصبح مرضُ الرّبو وضعًا صحّيًا مفترضًا، وأصبحت مشاكل الرّئة وضعًا صحّيًا مفترضًا. لكن إثبات السّرطانات أصعب بكثير.
لذلك بدأتُ أتحدّث منذ عدّة سنوات مع شخصٍ حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأن التّعرُّض للمواد فيها كان شبيهًا بحفر الحرق. عندما تفكّر بالطائرات وهي تدخل إلى الأبراج، لقد تحوّلت إلى حفرة حرق كبيرة وسط مدينة نيويورك. كان المُسعِفون يعانون من نفس الأعراض التي يعاني منها [الأشخاص المعرّضون] لحُفر الحرق. أدركنا أنّنا سنرى مع مرور السنوات نفسَ السّرطانات ونفس المشاكل. ثم تعاونَ “جون ستيوارت“ مع BurnPits360، وهي مجموعةٌ مناصِرةٌ للمحاربين القدامى لم تتوقف أبدًا عن الضّغط من أجل هذه القضية. لقد فعلَ الكثير من أجل المسعِفين. لقد أحرجَ الكونغرس إحراجًا شديدًا حتى أجبرهم على أن يفعلوا شيئًا. وفعلها مرّةً أخرى.
بماذا فكّرتِ عندما أُقرَّ قانون PACT؟
كيلي كينيدي: [كان] شعورًا جميلاً يشوبه الحزن. هؤلاء الرّجالما يزالون مرضى، وكان من الممكن وقايتهم من المرض. من المحبط أن نرى الأموال الطّائلة التي ننفقها على الحرب، ولكننا لسنا مستعدّين لإنفاق الأموال على آثار الحرب. لذلك أنا سعيدة حقًا بإقرار القانون. لكنني فقدت صديقًا، ورأيت المصادر يموتون على مرّ السنين. استغرق الأمر وقتًا طويلاً. أنا سعيدة بإقرار القانون – سعيدة حقًا بإقراره. أنا سعيدة حقاً لأن “دان” سرّب المذكرة في البداية. ولكن يبدو أن هنالك طريقة أفضل.
كيف تؤثّر تجربتك في هذه القصة على رأيك في تغطية القضايا الحرجة الآن في موقعك كمديرة تحرير The War Horse؟
كيلي كينيدي: بين هذه القصّة وبين “والتر ريد“، أعتقد أنني أعرف الكثير من الحيل. أعرف ماذا سيقول كلّ طرف. سيقول أحدهم “لا يوجد دراسات علميّة”، وسيقول شخص آخر “أوه، فلان فعل كذا وكذا”. أحد مصادري سينتهي به المطاف في أفغانستان، وبهذا يصبح غير قادرٍ على الحديث معي. هذا هو التّعتيم.
ولكن عندما نتحدّث عن تغطيتنا، فهنالك شيءٌ من الدّعم لشعاري اليوميّ “دعونا نذهب لإنقاذ العالم”. كيف نصلح الأوضاع؟ كيف نلفتُ الأنظار ريثما يتمّ إصلاح شيء ما؟
تمّ تحرير المقابلة أعلاه وتكثيفها من أجل الطّول والوضوح. تم نشر القصة في الأصل من قبل المنصّة الشريكة في الشبكة العالميّة للصحافة الاستقصائيّة The War Horse وأعيدت طباعتها هنا بشكلٍ يراعي إرشاداتهم لإعادة النّشر.
سونر كيرت صحفيّة استقصائيّة في The War Horse، تغطي الجيش وتغيّر المناخ والأخبار المضلّلة والنّوع الاجتماعيّ. نُشرت أعمالها في صحيفة نيويورك تايمز ومجلة WIRED و Inside Climate News و The Vergeوغيرها من المنصّات. خدمت لمدة خمس سنوات كضابط في خفر السواحل الأمريكي.