الصورة: من Shutterstock

ازددات أهمّية تليغرام عالميًا بشكلٍ كبير في الأشهر الأخيرة باعتبارها واحدةً من منصّات التّواصل الاجتماعيّ القليلة التي ما تزال متاحةً داخل روسيا، ولأنّها قناةٌ مهمّة للإبلاغ عن أوكرانيا التي تمزّقها الحرب. ولكن شعبيّة التّطبيق زادت من قبل بين الأشخاص الراغبين في التّواصل دون أن تُعرَف هويّتهم ودون الخضوع للرّقابة الحكوميّة، حيث وجد النّازيون الجدد ، ومؤيّدو داعش ، وتجّار المخدرات أرضاً خصبة لأنشطتهم على المنصّة.

قد يكون تلغرام أداةٍ بحثيّةً ثمينة بالرّغم من هذه السّمعة الإشكاليّة، وربمّا بسببها، إذ يمكّنُ الصّحفيين من استخراج المعلومات والاستقصاء عن مجموعاتٍ من الأشخاص الذي تحظرُ المنصّات الأخرى محتواهم أو تقيّده (غالبًا لانتهاك شروط الاستخدام أو قوانين خطاب الكراهيّة). من المفيد أيضًا تتبُّع الاحتجاجات والحركات الاجتماعيّة الأخرى في البلدان الاستبداديّة، مثل روسيا، حيث لا يزال التّطبيق يعمل.

[ملاحظة: هناك جدل حول مدى أمان التّلغرام في الواقع. قنوات التّلغرام والمحادثات الجماعيّة ليست مشفّرة من البداية إلى النهاية ولا تحمي هويّات المستخدمين. الدّردشات بين شخصين غير مشفّرةٍ بالكامل ما لم يقم المستخدمون باختيار “الدّردشة السّريّة ” (secret chat).]

اعتمدت الشّبكةُ الدوليّة للصحافة الاستقصائيّة في هذا الدّليل التمهيديّ اعتمادًا كبيرًا  على تلغرام 101 للصّحفيين ، وهو ويبينار نظّمه مؤخرًا مركزُ Shorenstein للإعلام والسّياسة والسّياسات العامّة في كلّية كينيدي في جامعة هارفارد. وشاركت فيه الخبيرة في شؤون التّضليل الإعلاميّ ” جين ليتفينينكو”، وهي زميلةٌ باحثةٌ في المركز، ناقشت أفضل الممارسات في استخدام التّلغرام في الصّحافة الاستقصائيّة.

تلغرام 101

تأسست تلغرام سنة 2013 على يد الأخوين الرّوسيين “بافل” و”نيكولاي دوروف”، اللذين أسّسا منصّة VKontakte الشّبيهة بفيسبوك. بلغ عدد مستخدمي تلغرام في يناير 2020 أكثر من 550 مليون مستخدم في كل العالم. الجاذب في المنصّة هو حمايتها لخصوصيّة الاتّصالات والتّجارة.

تميّز منصّةُ تلغرام نفسها عن غيرها من منصّات التّواصل الاجتماعي أو التّراسُل بسياساتها القويّة لحماية الخصوصية وحريّة التّعبير. وهذا واضحٌ في صفحة الأسئلة الشائعة، وجاء بها: “إذا كان انتقاد الحكومة غير قانونيٍّ في بعض البلدان، فلن يكون تلغرام جزءًا من هذه الرّقابة المدفوعة بدوافع سياسيّة”.

وتمشيا مع هذه الفلسفة، تقول الشركة إنّها لا تشارك بياناتِ المستخدم مع الحكومات ما لم تكن مضطرّة. جاء في سياسةِ خصوصيّةِ تلغرام : “إذا تلقّت تلغرام أمرًا من المحكمة يؤكّد أن هنالك اشتباهٌ بضلوعك بالإرهاب فقد نكشف عن عنوان الـ IP الخاصّ بك ورقم هاتفك للسلطات المعنيّة”. “حتّى الآن، لم يحدث هذا على الإطلاق.” الآخرون أكثر حذرًا. تحذّر  warns the Electronic Frontier Foundationمن أن النّموذج الأمنيّ المتّبع لدى تلغرام “يتطلّب من المستخدمين أن يضعوا قدرًا كبيرًا من الثّقة في قدرة تلغرام على حماية بيانات المستخدم.”

الواقع أن بافل دوروف البالغ من العمر 37 عاماً، والذي يُقدَّر صافي ثروته بنحو 15 مليار دولار، اتّخذ خطوات أثبتت التزامه بالتحرُّر من تدخُّل الحكومة. فرَّ من روسيا سنة 2014 بعد أن رفض التّعاون مع مطالب الكرملين بعد أن ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم إليها. وصلتْ محاولاتُ الحكومة الألمانيّة لفرض غرامة على تلغرام بسبب ضعف الإشراف على المحتوى غير القانونيّ إلى طريقٍ مسدود في مكتب تلغرام الخاوي في دبي في الإمارات العربيّة المتّحدة.

تلغرام معتمدٌ بشكلٍ كبير في العديد من البلدان سيّئةِ السمعة في ما يتعلّق بحرّية التّعبير. وحسب البيانات المتاحة للعامّة من موقع التّحليلات Similarweb فإن تلغرام أكثر تطبيقات التّراسل شعبيّةً في العديد من جمهوريات الاتّحاد السّوفيتي السّابق (بيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان) بالإضافة إلى فنزويلا والأردن وكمبوديا.وبحسب بياناتِ موقعِ القياسات TGStat فإن أكبر جمهور لتلغرام موجودٌ في روسيا وإيران، وبعدهما الهند وأوزبكستان.

استُخْدِم التّطبيق للتّواصل في مناطق الحرب، وحماية مصادر الصّحفيين، وتجنُّب القرصنة على الإنترنت. وهذا بفضّل عدّة جوانب مهمّة تقدّمها المنصّة:

– التّشفير من البداية إلى النّهاية للرّسائل المباشرة، إذا استخدم المتراسلون خيار “الدّردشة السرّية”. يتمتّع تلغرام بهذه الإمكانيات في مجال الخصوصيّة لعدم اعتماده على برامج خارجية لعملِ نسخةٍ احتياطيّة من بياناتِ المستخدم أو تخزينها. كما أنه لا يخزّن المحادثات السرّيّة على خوادمه.

– وضع التّدمير الذّاتيّ ميّزةٌ مهمّةٌ تمكّن المستخدمين من وضع تاريخِ صلاحيةٍ للرّسائل، والذي قد يكون بعد بضع ثوانٍ أو بعد عدّة أيّام. هذا مفيدٌ خاصةً إنْ كنت تشارك معلوماتٍ حسّاسة أو إن كنتَ عرضةً لمصادرةِ هاتفك.

– القدرة على إخفاء هويّةِ حسابك عن طريق إخفاء رقم هاتفك عن جميع المستخدمين، بما في ذلك عن أصحاب الأرقام المخزَّنة على هاتفك. يسمح لك التّطبيق أيضًا بالحصول على اسم مستخدم فارغ.

استخدام تلغرام كأداةٍ استقصائيّة

الأرشفة

أوصت “ليتفينينكو” بتنزيل نسخةِ  سطح المكتب من تلغرام.org من أجل استخدام خيارات الأرضفة والتّنزيل غير المتوفّرة على الهاتف المحمول. على عكس الكثير من وسائلِ التّواصل الاجتماعي الأخرى أو تطبيقات التّراسل، يسهّل تلغرام تمامًا حفظَ الصّور ومقاطع الفيديو والموادّ الأخرى — بما في ذلك البيانات الوصفيّة المهمّة — المنشورة على التّطبيق. حتّى أن التّطبيق على الحاسوب يمكّنك من تنزيل قنواتٍ كاملةٍ بتنسيق HTML. وإذا تمّت أرشَفة كلّ تلك الأدلّة المأخوذة من الوثائق بشكلٍ صحيح، فقد تصبح منجم ذهَبٍ للصّحفيين الاستقصائيين.

المحادثات الجماعيّة

تسمحُ المحادثات الجماعيّة العامة وشبه العامّة في تلغرام بوجود قرابة 200.000 مستخدم. وقالت “ليتفينينكو”: “هذا مهمٌّ جدًا لأنّ الكثير من التنسيق، وخاصّة على الأرض في أوكرانيا الآن، يحدث في هذه المحادثات الجماعيّة الضّخمة”. وأوصت بالبحث عن هذه المحادثات على منصّات التّواصل الاجتماعي الأخرى للعثور على المصادر.

القنوات

القنوات وسيلةٌ ذات اتجاه واحد لمشاركة المحتوى على تلغرام ويمكن أن تكون خاصّة أو عامّة. إنها طريقة رائعة لجمع الأخبار والمعلومات من المنصات الإعلاميةّ والمسؤولين والأفراد المؤثرين.  بعض غرف الأخبار لديها قنواتها الخاصّة المؤكّدة على تلغرام ويمكن تمييزها بالعلامة الزّرقاء.

البوتات

تُسمّى البوتات (الروبوتات) على تلغرام بوضوح بأسماء مستخدمين تنتهي بـ “bot” لتمييزها عن المستخدمين البشريين. (على سبيل المثال، يقوم @FBvidzBot بتنزيل أيّ فيديو من فيسبوك إذا أرسلت إليه عنوان صفحة الفيديو). يمكن لأيّ شخص إنشاء — وإدارة — روبوتات تلغرام باستخدام  أداة BotFather. لدى تلغرام روبوتات داخليّة خاصّة به أيضًا، والتي تستجيب لطلبات المستخدم وتؤدّي العديد من المهام الأخرى. يمكن العثور على جميع البوتات، بما في ذلك بوتاتك الخاصّة إذا أنشأتَ بوتًا، في دليل تلغرام:

t.me/<bot_username>.

نصائح للبحث على تلغرام

قالت “ليتفينينكو” عن البحث على تلغرام: “البحث العام لا يضمّ خيارات بحث متقدمة كما قد تتوقّع من غوغل أو تويتر، لذلك عليك أن تفكر جيدًا بالمصطلحات المفتاحيّة التي قد تكون مفيدة لك”. ونصحت باستخدام بحث غوغل المتقدّم لاكتشاف القنوات، وهو ما يمكن القيام به في بحث غوغل باستخدام الصيغة التالية:

“site: t.me/* (keyword1 OR keyword2)”

مثال: site: t.me/* (Ukraine OR )

وأوضحت “ليتفينينكو”: “النجمة تعني أن غوغل سيملأ لنا اسم المستخدم”. ستساعدك هذه الصّيغة على استرداد أفضل قنوات تلغرام المفهرسة بواسطة غوغل. “لن يوصلك هذا إلى المحادثات الجماعيّة، ولن يعطيك القنوات المتخصّصة، لكنها طريقة جيّدة حقًا لبدء بحثك في تلغرام، بناءً على ما تبحث عنه.”

تقول “ليتفينينكو” إن البحث عن قنوات تلغرام غالبًا ما يكون أسهل باستخدام بحث غوغل. الصّورة: لقطة شاشة

للبحث عن القنوات التي تمت مشاركتها على تويتر، نصحت “ليتفينينكو” باستخدام هذه الصّيغة على شريط البحث على تويتر:

“t.me (الكلمة المفتاحيّة)”

توصي “ليتفينينكو” باستخدام استراتيجيّة بحثٍ مماثلة عند البحث عن قنوات تلغرام عبر تويتر. الصورة: لقطة شاشة

يستجيبُ كلٌّ من غوغل وتويتر لعمليّات البحث المنطقيّة الأساسية، بحيث يمكنك أيضًا استخدام مدخلات البحث التالية الأبسط:

الكلمة المفتاحية 1 والكلمة المفتاحية 2 (keyword1 AND keyword2)

الكلمة الرئيسية 1 أو الكلمة الرئيسية 2 (keyword1 OR keyword2)

ولكن لا تقصر عمليّات البحث على النصّوص. على سبيل المثال، عند الاستقصاء عن حرب روسيا على أوكرانيا، تنصح “ليتفينينكو” بالبحث عن الرّمز التّعبيريّ (إيموجي) لعلم أيٍّ من البلدين (و)، والذي غالبًا ما يُستخدم على وسائل التّواصل الاجتماعي.

البحث داخل مجموعات الفيسبوك

قالت “ليتفينينكو” تعليقًا على عادة مستخدمي فيسبوك الذين يشاركون طرقًا لنقلِ محادثاتهم إلى منصّةٍ أكثر أمانًا: “خاصةً في أوكرانيا، وأيضًا في الثّورات والحروب الأخرى، رأينا أن مجموعات فيسبوك تصبح مراكز للتّنسيق، أي أنها تصبح أيضًا مراكز  لقنوات تلغرام “. يمكن أن يساعدك البحث في مجموعات فيسبوك في بداية تحقيقك على الوصول إلى قنوات أو مجموعات تلغرام يذكرها المستخدمون الذين يهمّك أمرهم.

قد لا يدرك المستخدمون أن مشاركاتهم في المجموعات تظهر لغير الأعضاء، لذا احرص على عدم كشف هويّتهم إذا شاركت منشوراتهم.

– ابحث عن مجموعات فيسبوك المتعلّقة بالموضوع الذي اخترته.

– ابحث داخل مجموعة فيسبوك عن “t.me” للعثور على قنوات تلغرام التي تمّت مشاركتها على المجموعة.

يمكن استخدام نفس مصطلح البحث “t.me” للعثور على قنوات تلغرام المذكورة في مجموعات فيسبوك. الصورة: لقطة شاشة

– استخدم خيار الفلاتر لفرز المنشورات أو البحث عنها حسب التّاريخ والموقع وغيرها.

يمكن للمحقّقين استخدام فلاتر مجموعات فيسبوك للبحث عن مشاركات تلغرام حسب التّاريخ والموقع وغيرها. الصورة: لقطة شاشة

TGStat

لن يساعدك TGStat على تحديد قناة بقدر ما سيساعدك في معرفة المزيد عن قناة تدرسها أصلاً. يعمل كمُجَمِّعٍ للمقاييس، منها على سبيل المثال لا الحصر بيانات مثل:

– كتالوج للقنوات الموجودة حاليًا حسب البلد والمواضيع وغيرها.

– حجم وجمهور القنوات والمجموعات.

– الكلمات المفتاحيّة، التي يمكن أن تكون مفيدةً لتتبّع مواضيعك.

– تتبُّع النموّ بالسّاعة.

أوضحت “ليتفينينكو”: “إنها أداةٌ رائعة خارج نطاق البحث. إنه شيء سيعطيك تحليلًا مجمّعًا لقنوات تلغرام، بما في ذلك عدد المشتركين فيها، ورسائلها الأحدث، بالإضافة إلى غيرها من البيانات المجمَّعة.”

 يمكنك على TGStat مراقبة نموّ القناة بمرور الوقت، وعدد المشاهدات التي تتلقاها، ومتوسّط وصول المنشور. كانت تلك المؤشّرات مفيدةً قبل غزو روسيا لأوكرانيا، حسب ما قالت “ليتفينينكو”.

TGStat أداةٌ مفيدة جدًا للوصول إلى قنوات ومجموعات تلغرام المهمّة. الصورة: لقطة شاشة

يوفّر الموقع أيضًا نظرة معمّقة على الشّبكات المحيطة بقناتك المستهدفة، مثل القنوات التي تتابعها، والقنوات التي يذكرها المستخدمون على قناتك المستهدفة.

قالت ” ليتفينينكو” إن TGStat قد استُخدم خلال الحرب في أوكرانيا لرسم خريطةٍ لمحيطِ القنوات ومساعدةِ المستخدمين في الوصول إلى:

– جهود التّنسيق على أرض الواقع في أوكرانيا

– الحسابات التي تنشر الدّعاية السياسيّة

– حسابات ملفتة جديدة يجب عليك مراقبتها

سيسمح لك إنشاءُ موجزٍ إخباريّ على التّطبيق بتتبُّع القنوات التي تريد مراقبتها. قالت “ليتفينينكو”: “إنه مفيدٌ أيضًا لأنك ستبدأ في رؤية القنوات التي تنسّقُ وتنشرُ نفسَ الرّسالة في نفس الوقت”.

يمكن أن يكون تلغرام نقطة انطلاق رائعة لتحقيقك، سواء كنت تبحث في المجتمعات والأيديولوجيات الرقميّة، أو تغطّي صراعًا مستمرًا مثل الحرب في أوكرانيا. سيضمن الجمع بين جميع أدوات البحث المذكورة أعلاه ومساحة عملٍ رقميّةٍ فعّالة وقاعدة بيانات قوية من صنعك عدم ضياعك في كمية البيانات التي من المحتمل أن تجمعها. أخيرًا، انتبه إلى ما تشاركه على تلغرام إذا كنت تحاول عدم الكشف عن هويتك: ينصح “ليتفينينكو” باستخدام VPN أو رقم وهمي للمحافظة على أمنك.

لمزيدٍ من النّصائح حول استخدام تلغرام راجع هذا الدّليل من منصّة البحث الرقميّة Media Manipulation Casebook .

ملاحظة من المحرِّر: تم تعديل هذه القصّة بعد نشرها لتسليط الضّوء على وجودِ جدلٍ حول أمان تلغرام، وأن الخدمة لا تتضمّن التشفير من البداية إلى النّهاية. 

سماراندا تولوسانو تدير التّرجمات والشراكات في  GIJN. عملتْ في السّابق مع مؤسسة  تومسون رويترز في المغرب، وغطّت استخدام الحكومة لبرامج التّجسُّس لاستهداف معارضي النّظام وظهور حركات نسويّة على وسائل التّواصل الاجتماعي.