أوكرانيا ليست الدولة الوحيدة التي تلقّتْ آثارَ القصف العسكريّ الروسي في السنوات الأخيرة. في أيلول 2015، وبعد عدّة سنوات من بداية الحرب الأهليّة السّوريّة، بدأت روسيا بتنسيق هجماتٍ جويّة واسعة النّطاق على العديد من الجماعات المتمرّدة بناء على طلبِ الديكتاتور السّوري الرّئيس بشار الأسد. وبعد عامين، نشرتْ روسيا قوّاتٍ برّية في سوريا في ذروةِ حملةٍ مدمّرةٍ استمرّت عدّة سنوات في حلب استهدفتْ المدنيين والمواقع الطّبية دوريًا ودمّرت المدينة في نهاية المطاف. في آذار 2020، اتّهمَ تقريرٌ للأمم المتّحدة روسيا بالضّلوع في جرائم حرب في صيف عام 2019، مع التّركيز على غارتين جوّيّتين محدّدتين على المدنيين في المناطق الرّيفيّة. كما خلص التّقرير نفسه إلى أن الطّائرات الرّوسيّة انضمت مراراً إلى القوات الموالية للحكومة في استهداف العاملين في المجال الطبي والمرافق الطبيّة. ووفقًا لجماعات حقوق الإنسان، كانت هذه الهجمات شائعة، حيث يُشتبه بأن القوّات الرّوسيّة دمّرت 244 منشأة للرّعاية الصحّية وقتلت قرابة 7000 مدني.
ونتيجةً لذلك، اكتسب الصّحفيون السّوريون خبرةً واسعة في التّحقيق في السلوك العسكريّ الروسيّ على مدى السّنوات السّبع الماضية، وتوثيق الهجمات الكثيرة فضلاً عن الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب. تحدّثت الشّبكة العالميّة للصّحافة الاستقصائيّة إلى أربعةٍ من هؤلاء الصّحفيين لفهم ما اكتسبوه عن الإبلاغ عن دورِ روسيا في زمن الحرب في بلادهم وكيف يمكن للصّحفيين الاستقصائيين في أوكرانيا تغطية الغزو بشكل أكثر فعالية.
نصائح للتّحقيق في التكتيكات الرّوسيّة للقتال وخرق العقوبات
علي الإبراهيم باحثٌ وصحفيٌّ استقصائيّ وشريكٌ مؤسِّسٌ لوحدة الصّحافة الاستقصائيّة السّوريّة سراج. حقّق في الانتهاكات في السّجون السّوريّة، وتجارةِ جثث المعتقلين بين أطراف النّزاع، والهجمات الكيميائيّة، وغيرها من القضايا المتعلّقة بالحرب. وأشار “الإبراهيم” أن معظم مناطق الصراع بيئةٌ خصبةٌ لإنتاج التّحقيقات أثناء الحرب أو بعدها.
وقال: “كانت آثار الهجمات الرّوسيّة واضحة في سوريا. منذ بدأ التدخُّل العسكريّ الرّوسيّ في سوريا سنة 2015، شنّت القوّاتُ الرّوسيّة هجمات عشوائيّة على المدنيين والمواقع المحمية والبُنى التّحتيّة المدنيّة”.
ذكر “الإبرايهم” أفضل الممارسات ونصائح للأمور التي يجب التّركيز عليها عند تغطية أخبار الجيش الرّوسيّ:
– حقِّقْ في الهجمات على البُنى التّحتيّة المدنيّة من خلال فحص بقايا الصّواريخ، وجمع شهادات النّشطاء وأهالي المنطقة، وأشرطة الفيديو في المناطق المأهولة بالسكان التي لا يبدو أنّها تضمّ أهدافًا عسكرية. قد تدلّ هذه المؤشّرات على أن هذه الهجمات كانت متعمّدة وترقى إلى جرائم حرب.
– أيضًا، ادرسْ مخاطرَ استخدامِ روسيا للذّخائر العنقوديّة في المناطق المأهولة بالسّكان، من خلال توثيق بقايا القنابل غير المنفجرة. تشكّل القنابل العنقوديّة تهديدًا أكبر لحياة المدنيين وهي محظورة بموجب معاهدة دولية، لكن روسيا ليست من الدول الموقِّعة على الاتّفاق.
– انتبه إنْ كان هنالك استراتيجيّةٌ عسكريّةٌ متعمّدة لتدمير البُنى التّحتيّة المدنيّة وطرد السكان. قتلتْ عشراتُ الغارات الجويّة والبريّة غير القانونيّة على المستشفيات والمدارس والأسواق الكثير من المدنيين في سوريا.
– ارصدْ أيّ محاولات لمنع وصول المساعدات الإنسانيّة إلى المدنيين المحتاجين. استخدمتّ روسيا حق النقض (الفيتو) لعرقلة جهود الأمم المتّحدة لإيصال الإغاثة عبر الحدود لسوريا، مما يعمِّقُ عزلةَ المرافق الإنسانية ويزيد من الضّرر المحتمل الواقع على المستشفيات والمدارس والبُنى التّحتيّة المدنيّة الأخرى من أيّ هجماتٍ عشوائيّة.
يحتاج العمل على تأثير الحرب والفساد اليوم إلى جهودٍ متضافرة، لذلك يوصي “علي الإبراهيم” بتوسيع التّغطية المحلّية وتحويلها إلى قصص عابرة للحدود. ومع ذلك، فإن التّعاون مع صحفيين من نفس المنطقة أمرٌ لا غنى عنه.
ورغم أن الكثير من الجرائم التي وقعتْ خلال الحرب السورية لم يتمّ الإبلاغ عنها، إلّا أن التحقُّق من المصادر البشريّة والوئاثق يعدُّ من أهم الخطوات، لأن بعض الجهات ستحاول إخفاءَ انتهاكاتها من خلال تقديم معلوماتٍ غير دقيقة أو وثائق وشهادات غير صحيحة.
وهذا يقتضي البحثَ المعمَّق والتّواصل مع سلطاتِ حقوقِ الإنسان المحلّيّة ومع المتخصّصين ومراكز البحوث للاطّلاع على القضايا التي وثقوها. قد تجدُ في خبايا هذه القصص أدلّةً توصلكَ إلى معلوماتٍ لم تُنقَل، مما قد يؤدّي إلى إنتاج تحقيقاتٍ مؤثِّرةٍ وتحاسب المسؤولين عن الانتهاكات.
راقبْ منصّات التّواصل الاجتماعي. تعدُّ هذه المنصّات الآن مصدرًا ثانويًا مهمًا قد يوصلك إلى شهادات أشخاص أو معلومات مسرَّبة أو منشورات قد تؤدّي إلى قصص وتحقيقات مهمّة حول جرائم الحرب أو غيرها من الأفعال الجائرة.
عندما يتعلّق الأمر بالجهود الرّوسيّة للتّحايل على العقوبات، فإن الخطوة الأولى هي العثور على وثائق تتعلّق بالمستفيدين الحقيقيين تحديدًا. عادةً ما يكون لدى المتورّطين في انتهاك العقوبات القدرةُ على إخفاء الوثائق والبيانات الرسمية، وقد طوّروا أدوات لحماية أنفسهم من أيّ مساءلة. لهذا سيساعدك الاعتمادُ على المصادر البشريّة والخبراء والناشطين ومراكز الأبحاث على فهمِ ما يحدث، وسيساعدك على تجميع القصّة.
البلدان الخاضعة للعقوبات الدّوليّة تتجنّبُ العقوبات عادةً باستخدام السماسرة والشّركات الوهميّة أو عن طريق إنشاء شركات لها مقارّ في مناطق جغرافية مختلفة، ولا سيما في الملاذات الضّريبية المعروفة. يجب على الصحفي أن يستقصي عن المالكين الحقيقيين لهذه الشركات أن يجد الصّلات ليحقّق فيها.
كيف يمكن للتّقاريرِ مفتوحة المصدر أن تفتح المجال للتّحقيقات
حتى مع استمرار الحرب الأهليّة السّوريّة، تظهر تقارير جديدة عن جرائم حرب مشتبه بها في أوكرانيا. يشير أعضاء فريق الأرشيف السّوري إلى أن التّحقيق في هذه التقارير غالبًا ما يقع على عاتق التّقارير مفتوحة المصدر من المنشورات العامة على وسائل التّواصل الاجتماعي. وبحسب “هشام المحمدي“ و”مايكل السندي” ومحقّقة من الفريق (طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب تتعلق بأمنها الشّخصيّ)، فإن أحد الأسباب التي تجعل التّحقيقات مفتوحة المصدر ملحّةً للغاية هو أن المعلومات المضلّلة على الإنترنت هي أيضًا جزء من أي حربٍ حديثة.
يقول فريق الأرشيف السوري: “من المهم التّركيز على الرّصد والتتبُّع والجمع المستمر والتّحليل، وأن لا يحرّكَ الباحثين والمحققين شيءٌ سوى الحقائق دون أن يتأثروا بالافتراضات المسبقة. ومع ذلك، عندما تبدأ البيانات في الإشارة إلى انتهاكاتٍ غير قانونية، قد يكون من المفيد – بغضّ النّظر عن نوع الانتهاك – محاولة رسم أنماط معينة في هذه الهجمات”.
على سبيل المثال، توصّل الفريق إلى نمطٍ متكرّر لبعض الهجمات غير القانونيّة في سوريا، مما دفعهم إلى إطلاق قاعدة بيانات تستهدف مرافق الرّعاية الصحّيّة العام الماضي. حفظَ هذا المورد مقاطع فيديو توثّق 410 هجمات منفصلة على 270 مرفقًا طبيًا في سوريا من عام 2011 إلى عام 2020.
ومع تورُّط نفس الجيش في الهجمات على سوريا والآن على أوكرانيا، يلاحظ الفريق أنه لا بدّ أن تكون هناك أوجه تشابه بين الصراعين. على سبيل المثال، سيجدُ الصّحفيّون الذين يغطون الغزو الأوكراني الكثير من نفس المعدّات والعتاد العسكريّ الرّوسيّ المستخدم في الحرب الأهلية السورية. ولكن من المهم الانتباه إلى أن أوكرانيا مسلحة في الغالب بأنظمة أسلحة تعود إلى الحقبة السوفييتيّة أو الروسيّة أيضا، مما يجعل التحقُّق الفعليّ من الأطراف المتورّطة في جرائم حرب محتملة أكثر أهمّيّة وأكثر صعوبة.
في سوريا، حيث تقاتلُ عدّةُ جماعاتٍ متمرِّدة القوّاتِ الحكومية وحلفاءها الرّوس – ولا يمكن استبعاد التوغّلات عبر الحدود من القوّات التّركيّة أو الكرديّة – يجب أن يبذل محققو المصادر المفتوحة عنايةً أكبر عند تغطية الفظائع. مثلاً، في هذا التحقيق عن قصفٍ صاروخيّ، واجه فريق الأرشيف السّوريّ تحديّاً هو تحديد الجهة التي شنّت الهجوم بالضبط. وأوضح الفريق “لاحظنا وجود فصائل عسكريّة مختلفة من مُختَلف التوجّهات السّياسيّة في المنطقة المجاورة، إضافةً إلى قرب الهدف من مواقع عسكريّة تركية، الأمر الذي تطلّب الكثير من العمل والحذر في ظلّ تعدُّد الروايات والأطراف والاتّهامات”.
وبالمثل، عند التّحقيق في أي نوع من النزاعات، من المهم جدا فهم القوانين والمعاهدات الدّوليّة. ويمكن للباحثين من هناك تحديد ما يمكن اعتباره بالفعل انتهاكًا أو حتى ثغرةً أغفلها المخالفون، مما سيمكّن الآخرين من الضغط من أجل اتّخاذ إجراءات قانونيّة ضدّ الجناة.
الحفاظ بشكلٍ استباقيّ على أيّ دليلٍ على جرائم الحرب عبر الإنترنت أمرٌ بالغ الأهمّيّة. يقول فريق الأرشيف السوري: “لا يمكننا أن ننصح بالاعتماد على منصّات التواصل الاجتماعي لتكون “السيرفر” لتخزين الأدلّة المرئيّة على انتهاكات حقوق الإنسان. من تجربتنا في الحرب السوريّة، حُذفت عشرات آلاف الفيديوهات والصّور. وينبغي دائمًا اعتبار هذه المنصّات وسيلةً للنّشر وإعداد التقارير، ولكنها ليست للتّخزين”.
“ثانيا ، احرص على أمنك الرّقمي واحترس عند استخدام التكنولوجيا الرّوسيّة من التتبُّع المحتمل، والقرصنة، وحذف المحتوى”. لتدعيم أي تسجيلات أو صور ولمواجهة اتّهام الموادّ بأنّها “أخبار مزيّفة” فكّر بإضافة طبقة إضافية من البيانات الوصفيّة التناظرية – مثل حمل ورقة كُتبَ عليها اسم المكان والتّاريخ والوقت – وعرضها أثناء التّصوير. “من شأن ممارسة بسيطةٍ كهذه أن تحدّ من التّلاعب وأن توقف بوجه من يطعن بقيمة المحتوى. أيضا ، صوّر المعالم البارزة الفيلم التي من شأنها تسهيل تحديد الموقع الجغرافي على المحققين.”
المشورة اللوجستية والأمنية للمحققين الميدانيين
عمل الصّحفيّ السوري أنس تريسي لمدّة أربع سنوات كمراسل في شمال سوريا لتلفزيون أورينت. انتقل بعدها للعمل كصحفيٍّ مستقلّ وأنتج العديد من التحقيقات، من بينها فيلم أنتجه مع القناة البريطانية الرّابعة، كشف فيه عن تعرُّضِ مستشفى أريحا في جنوب إدلب عمدًا لضربات جوية مزدوجة من قِبل الطّائرات الحربيّة الرّوسيّة.
شرح “تريسي” :”عندما يهاجم الرّوس، يجب على الصّحفيين أن يفكّروا أولاً بثلاثة أشياء حتّى يخططوا لتغطيتهم: الشؤون اللوجستيّة والاتّصالات والكهرباء”.
– الشؤون اللوجستيّة: أحضر كلّ المعدّات اللازمة للعمل والتّصوير والتّغطية مع نسخة احتياطيّة إضافيّة من كل ما قد تحتاجه، مثل بطاقة ذاكرة إضافية وكاميرا ومعدّات سلامة.
– الاتّصالات: تستهدف القوّات الرّوسيّة مراكز الاتّصالات وتشوّش عليها، لذلك يجب على الصحفي أن يجد وسيلته الخاصّة للبقاء على اتّصالٍ مع فريقه أثناء التّغطية، مثل الأقمار الصناعيّة والإنترنت والقنوات المشفّرة، لضمان عدم اختراق رسائلك.
– الكهرباء: هذه نقطةٌ مهمّة، لأنّ العمليّات العسكريّة الرّوسيّة غالبًا ما تقطع الكهرباء بقصفِ محطّات الطّاقة، لتضع المدنيين تحت ضغطٍ أكبر. لذلك من الضروري أن يكون لدى الصّحفيين مصادر طاقة بديلة لتشغيل معدّاتهم.
– معدّات السلامة: منَ المعدّات التي يوصى باستخدامها: الدّروع المصنوعة من الألياف والخوذات والنّظارات وأقنعة الغاز. أقنعة الغغاز لها أهميّة خاصّة لأن السوريين شهدوا استخدام الأسلحة الكيميائيّة – من غازات الأعصاب المحتملة إلى براميل الكلور المتفجّرة البدائيّة – من قِبل القوّات الحكومية. أحضرْ أيضًا حقيبة طبية مجهّزة جيدًا، تحتوي على ضمادات كسور وجرعة أتروبين قابلة للحقن لمقاومة التّسمُّم المحتمل بغاز الأعصاب. كما يجب أن يتلقّى الصحفيون تدريبًا على الإسعافات الأولية في ليقدّموها في حالة الإصابة.
كما أكّد “تريسي” على ضرورة إعداد خطّة عمل مسبقة. وأضاف: “التزم بهذه الخطة إذا كان ذلك ممكنًا، ولكن يجب أن يكون لدى منسقي الفرق الميدانيّة حالات طوارئ يغيّرون عندها الخطة في حال واجهوا سيناريوهات معينة. كما يجب أن يكون لدى الصحفيين على الأرض معرفةٌ قويّةٌ بالأنظمة بالجيش الرّوسيّ وأنظمة الأسلحة لفهم المخاطر المحتملة بشكلٍ أفضل.
على سبيل المثال، غالبًا ما تقوم الطائرات الروسية بضربات جويّة “مزدوجة”، حيث تقصف هدفًا، ثم تضربه مرة أخرى بشكل مفاجئ بعد وقتٍ قصير. غالبًا ما تؤدّي هذه الغارات المتتالية المتأخّرة إلى إلحاق الضّرر بالمدنيين و المسعفين الذين وصلوا لإنقاذ المتضررين في الهجوم الأول. (كان هذا التكتيك القائم على تعريضِ غير المقاتلين للخطر عمدًا محور مزاعم الأمم المتحدة لجرائم الحرب التي ترتكبها روسيا المذكورة سابقًا).
وبالمثل، يجب على المحقّقين معرفة الفرق بين طائرة مقاتِلة قاذفة وطائرة اعتراضيّة. تفتقر الصواريخ الاعتراضيّة إلى القوّة التدميريّة، لأنها مصمّمة للقضاء على طائرات أخرى أو أهداف أرضيّة أصغر مثل المركبات العسكريّة. إلا أن المقاتِلات القاذفة تشكّل خطرًا أكبر لأنها مكلَّفة بقصف التّحصينات الأرضيّة، مثل المباني والمخابئ تحت الأرض. وعلى الرغم من أن روسيا لم تستخدم القاذِفات الاستراتيجيّة في سوريا، إلا أن “تريسي” أشار إلى ضرورة أن يكون الصحفيون في أوكرانيا قادرين على تمييزها، لأنها تشكّل تهديدًا أكبر ويمكنها إطلاق عشرات الصّواريخ أو القنابل، مما يؤدّي إلى تدمير أحياء بأكملها بضربةٍ واحدة.
وأشار “تريسي” أيضًا إلى استراتيجيّة “الأرض المحروقة” التي تبنّتها الحكومة السوريّة وحلفاؤها الرّوس في بعض المناطق، مثل حلب في عام 2016. إنه نهج عسكريٌّ كارثيّ يشبه إلى حدٍّ مريب هجماتِ روسيا المدمّرة والمستمرّة على “ماريوبول” في جنوب أوكرانيا. “إذا تقدّم الرّوس في منطقةٍ ما، فسوف يقصفونها أولاً بعدّة أنواع من الأسلحة. في بعض الأحيان كانوا يطلقون قنابل غبية من مدى 40 كيلومترًا بمعدل خطأ مرتفع. وقد يستخدمون قنابل محرّمة دوليًا مثل القنابل العنقوديّة والفوسفور الأبيض”.
ويضيف أن الجيش الرّوسيّ غالبًا ما يستخدم طائرات استطلاع في سوريا لا تقدّم إحداثيات دقيقة. ونتيجة لذلك، أدّت غاراتهم الجويّة في بعض الأحيان إلى مقتل أو إصابة ضحايا يبعدون 50 مترًا عن الهدف. ولأن الصّواريخ الرّوسيّة غالبًا ما تسقط في أماكن تختلط فيها القوات المناهِضة للحكومة مع المدنيين، فإنّه يدعو الصّحفيين للابتعاد قدر الإمكان عن دائرة العمليّات العسكريّة الأوكرانيّة. كما حذّر من الهليكوبترات الهجوميّة الرّوسيّة التي تحلّق على ارتفاع منخفض وغالبًا ما تحرق أي شيء أمامها بنيران المدافع والأسلحة الكثيفة. يقول “تريسي”: “إذا سمعت طائرة هليكوبتر، فعليك الابتعاد أو الاختباء أو التمويه حتى لا يكشفك المراقبون في المروحيّة”.
تجميعُ تحقيقٍ في جرائم حربٍ محتملة يتطلّب جهودًا متضافرة. يجب تصوير كلّ الأدلّة بالصورة أو الفيديو، بما في ذلك أي أمثلة على الذّخائر غير المنفجرة، فضلاّ عن أي علامات أو رموز على حطام القذائف والقنابل. اجمعْ أكبر قدرٍ ممكن من الشّهادات المباشرة، لأن منظور شخصٍ واحد لا يكفي. يقول “تريسي”: “أعطِ شهود العيان مساحة لإخبارك بكلّ ما يعرفونه عن موضوع الهجوم والمهاجمين. كما يجب التّنسيق مع خدمات الطّوارئ والدّفاع المدني لإحصاء أعداد القتلى والجرحى”.
نصيحة مهمّة: إذا ظنّ الصّحفيُّ أن منطقةً ما قد تتعرض للهجوم، فمن الجيّد التقاط صور أو فيديو للهدف المحتمل مسبقًا لمقارنتها بعد الهجوم. أو فكّر في وضع كاميرات مراقبة لتوثيق الهجوم أثناء حدوثه، إما عن طريق الفيديو أو الصّور.
هنالك أدلة إضافيّة أخرى على جرائم الحرب المحتملة، كالحصول على تسجيلاتِ مراقبةِ حركة الطّائرات أو التسجيلات الصوتيّة بين الطيارين والقواعد العسكرية لمعرفةِ المسؤول عن هجماتٍ محدّدة. وبالمثل، قد يكون من الممكن الوصول إلى أجهزة الاتّصال التي تركها المقاتلون الرّوس أو الاستماع إلى رسائلهم غير المشفّرة – كما فعلت صحيفة نيويورك تايمز في بداياتِ غزو أوكرانيا – للاطّلاع على معلوماتٍ مهمّةٍ قد تكون مفيدةً في ربط الأحداث لاحقًا. قال “تريسي”: “يمكن أن يشمل ذلك أدلّةً على ارتكاب جرائم حرب، لذلك يجب أخذ كلّ التّفاصيل بعين الاعتبار”.
مصادر إضافية
أدواتي المفضلة مع محمد حداد من قناة الجزيرة
نصائح للمراسلة كاتي ماكي حول تغطية العمالة الوافدة في دول الخليج العربي
التحقيق في الهجرة في الخليج: دليل GIJN
أحمد الحاج حمدو صحفي سوري. تخرج من كلية الإعلام بجامعة دمشق ، وقد نشر قصصاً مع المراسلين العرب للصحافة الاستقصائية ودراج والجارديان ووسائل إعلامية أخرى. وهو أحد مؤسسي وكالة التحقيقات الصحفية السورية للصحافة المساءلة (سراج) ، وهو عضو في GIJN يركز على تدريب الصحفيين السوريين.