قدمّ المنتج والصحفي الاستقصائي مصطفى خليلي خلاصة تجربته في إعداد القصص والتحقيقات الرقمية خلال ويبينار أقامته “الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية”.

خليلي هو محرر الأفلام الوثائقية الرقمية في تلفزيون بي بي سي ومصور حاصل على عدة جوائز ولديه مسيرة تقارب عشرين عاماً في العمل الإعلامي.

في هذه الورشة، سرد خليلي كيفية إنتاج تحقيقات استقصائية رقمية خطوة بخطوة، بدءًا من طرح مقترح للقصة، بناء واختيار المصادر، طريقة العرض وكتابة النص، الفرق بين التحقيق الرقمي و المتلفز، استخدام أدوات مفتوحة المصدر ومعايير التصوير المخفي  وغيرها.

وتحدّث خليلي في الجلسة سرد في البداية حول ماهية المنصات الرقمية حيث يؤكد على أنها مقاربة لكيفية روايتنا للقصة، هي تتعدى المنصة والشكل. 

و يؤكد خليلي على أن كلمة رقمي هي كلمة مثيرة للاهتمام وتعني سرد القصص المكتوبة وسردها بطريقة مختلفة ومبتكرة وليست بطريقة خطية .

ويضيف: “لا يمكن تحديد محتوى المنصات الرقمية بتعريف واحد حيث أن المحتوى الرقمي يتضمن عرض المعلومات في قوالب مختلفة ليسهل على الجمهور فهمها وربما الاستمتاع بمشاهدتها”.

وقال: “في هذا كل وسيلة عبر وسائل التواصل الإجتماعي يناسبه أدوات مختلفة تناسب مختلف قدرات ومهارات الجمهور، فهنالك وهنالك ما هو مناسب لأجيال السوشيال ميديا.

ويضيف: السرد الرقمي هو سرد قصصي مصنوع بشكل خاص للمنصات الرقمية كتلك التي على الويب والمتواجدة عبر فيسبوك، سناب شات، تويتر، يوتيوب.

ونوه إلى ضرورة التفكير في بداية القصة على محتوى القصة (هل يمكن استخدام الصور المتحركة، هل يمكن وضع تسجيلات صوتية، هل يمكن وضع الصور… ) ولاحقاً في شكل رواية القصة. 

من المهم أن نفكر ونتخيل المشروع لاعادة بناءه للمنصات المختلفة. يجب علينا معرفة ما يناسب كل وسيلة ولا يجب وضع الفيلم الوثائقي او التحقيق او القصة مثل ما هي مدتها على السوشيال ميديا بل يجب علينا أن نختار ما هو مناسب لكل منصة وما الذي يجذب الجمهور.

الموسيقى مهمة جداً وهي تعطي قيمة مضافة للقصة.

مثال على انستغرام المحتوى الذي ينجح هو طرح قصة شخصية معنية. الفيلم الذي يظهر على انستغرام لا يجب أن يكون نفسه على اليوتيوب. الفكرة والفيلم نفسه ولكم اختيار الجزء الخاص بالعرض يجب أن يكون مناسب لكل منصة.

وعرض خليلي طريقة عمل بي بي سي وفريق التحقيقات الاستقصائية في كل من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغيرها من الفرق التي أدت الى التأثير بعد عرض التحقيقات.

ويعتقد خليلي أن الصحفي في الوطن العربي يواجه مشكلة في العالم العربي حيث ننسى أن سوء استخدام السلطة لا ينحصر فقط في السياسيين حيث هناك أخطاء ترتكب في الرياضة والدين والدراسة والصحة والحياة اليومية، وغيرها والتي يتوجب علينا البحث عنها كصحفيين ولا يجب تجاهلها. 

“في بي بي سي نركز على مجالات نعتقد انها تسمح لنا التعمق في القصص وتوفر سياق حقيقي للمشاهدين من بينها التحقيقات ذات المصادر المفتوحة OSENT والتي يمكن الحصول على من صور الأقمار الصناعية والبيانات المتاحة ووسائل التواصل الإجتماعي التي تضم أدلة وفيديوهات منشورة حيث يمكن أن تؤدي لحصول على تحقيق بعد تدقيق الفيديوهات والحقائق”.

عرض خليلي ايضاً بعض الأدوات التي يمكن استخدامها مثل مقارنة النقاط المرجعية ومحتوى اللصاقات واللافتات وغيرها يمكن أن تقود لبعض الأدلة حول الموضوع الذي نحقق فيه.

مثال:

في يوليو 2018 ، بدأ فيديو مرعب ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي. يُظهر امرأتين وطفلين صغيرين يتم اقتيادهم تحت تهديد السلاح من قبل مجموعة من الجنود الكاميرونيين. الأسرى معصوبي الأعين ، وإجبارهم على الأرض ، وإطلاق النار عليهم 22 طلقة.

رفضت حكومة الكاميرون في البداية الفيديو ووصفته بأنه “أخبار كاذبة”. لكن BBC Africa Eye ، من خلال تحليل الطب الشرعي للقطات ، يمكن أن تثبت بالضبط مكان حدوث ذلك ، ومتى حدث ، ومن المسؤول عن عمليات القتل

وأكد خليلي على أن ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي باتت اليوم تنجح في استخدامها في التحقيقات الاستقصائية مفتوحة المصدر ومن ثم التفكير بطريقة عرض كل فيديو على كل وسيلة معينة. 

في هذا المثال التالي ايضاً

 كشفت بي بي سي عن أدلة جديدة تشير إلى مقتل ستة وعشرين طالبا بالاكاديمية العسكرية كانوا غير مسلحين بواسطة صاروخ موجهة بالليزر أطلقته طائرة مسيرة.

يمكن الاطلاع أكثر ايضاً حول استخدام صور  الأقمار الصناعيّة في التحقيقات الاستقصائيّة 

ايضاً تحدث خليلي عن التحقيقات التي تتطلب التخفي حيث أكد أن هذا النوع مهم جداً في صناعة الأفلام ويتطلب وقت طويل. نستخدم التحقيقات الخاصة بالتخفي عندما يكون لدينا صالح عام. 

“ينبغي أن نستخدم قواعد التخفي بحذر شديد .التخفي لابد من التفكير الجيد قبل استخدام هذا الأسلوب، لأن العمل تحت غطاء يستلزم ضرورات محددة ينبغي مراعاتها”.

“نلجأ للتصوير الخفي عندما نريد تصوير شيء يحدث حالياً أو سوف يحدث لاحقاً. الشيء الإضافي الذي ينبغي أن نكون واضحين تجاهه هو إثبات الفعل الخاطئ الذي حصل وليس إثبات الفرضية”.

“ويشترط للعمل السري أو التخفي أن تكون المعلومات المراد الكشف عنها مهمة للجمهور، وتخدم الصالح العام. ويجب قياس المخاطر”. 

عرض خليلي مثال يكشف فيه تحقيق سري لبي بي سي عربي استخدمت فيه طريقة التخفي ويكشف عن مستخدمي تطبيقات في الكويت ينتهكون القوانين المحلية والدولية الخاصة بمكافحة العبودية العصرية، بمن فيهم امرأةٌ تعرض طفلةً للبيع.

وعرض مثال ثاني كيف كشف تحقيق أعده بي بي سي عربي من خلال التصوير السري عن إساءة ممنهجة للأطفال في مدارس إسلامية في السودان، حيث يتعرض صبيان تصل أعمار بعضهم إلى خمس سنوات فقط، بشكل روتيني إلى التكبيل بالسلاسل والضرب على يد “الشيوخ” وهم رجال دين يتولون مسؤولية هذه المدارس. كما وجد التحقيق أيضاً أدلة على اعتداءات جنسية.

“يجب أن يأخذ الصحفي في الحسبان الأمن والسلامة الشخصية قبل التصوير ايضاً. ولكن يمكنني القول أن التأثير الكبير الذي يمكن أن يحققه هذه التحقيقات هو ضخم. كذلك يجب الحفاظ على أخلاقيات المهنة أثناء استخدام التصوير السري، وعدم تعريض المصادر للخطر واخفاء وجوه الأطفال والفئات الضعيفة”.

“الهدف من التصوير السري هو الكشف عن الممارسة وليس الأشخاص والتشهير بهم. الكشف عن هوية المتورطين يعتمد على مدى معرفة الجمهور بذلك”.

ويشير خليلي إلى أن كتابة سيناريو التحقيق أو الفيلم تعتمد على كل صحفي ولكن يفضل أن يكتب بعد مشاهدة كل الفيديوهات. 

“بعض التحقيقات تحتاج إلى سياق وبالتالي يجب ان يكون السيناريو قليل، بعض التحقيقات يمكن أن تكون الشخصيات هي التي تكون بطلة القصة وتروي الحكاية”. 

“النص هو فن وفيه اشكال مختلفة، ولا يوجد هيكل معين لكتابة سيناريو التحقيق. الفيديوهات هي التي يحب أن تروي القصة وهي التي تقدم لنا المعلومة”. 

وختم بالحديث عن الفرق بين القصة الخبرية والفيلم الوثائقي حيث يؤكد على أن الكثير من الفروقات من بينها المدة الزمنية والتكلفة المالية وغيرها، ولكن هناك نقطة مهمة عند صناعة الفيلم الوثائقي وهي الواقعية وهو مصطلح نستخدمه لكي نرى الأمور التي تتكشف أمام الكاميرا وهذه الأمور التي تحصل أمامنا…. مثلاً نحن في طريقنا أي مكان ما وتوقفنا الشرطة ونصور ما حدث وبالتالي نصور الأمور تحدث في لحظتها.

“من المهم جداً أن تقوم بتصوير الوقائع وليس اللقطات الثانونية. تعتبر لقطات بي رول B-Roll عنصراً مهماً وجذاباً في صناعة الأفلام وتساعد على إضفاء الحياة والحيوية على الفيديو. عادة ما تركز مشاهد A-roll على الأبطال والممثلين الأساسيين في الفيلم، فيما نجد أن مشاهد B-roll عبارة عن انسرت inserts أو قطع cutaways أو مشاهد ضمن مواقف أخرى”.