لو جمعت عددًا من صحفيي المراقبة من العالم العربي في غرفة (افتراضيّة)، سيميلون إلى الاتّفاق على شيءٍ واحد: سيتفقون على التّحديات الهائلة التي تثبّط الصّحافة الاستقصائيّة في المنطقة وتضعفها. شارك 40 صحفيًا في المؤتمر العالمي الثّاني عشر للصّحافة الاستقصائيّة قصصًا عن قضايا هيكلية وسياساتيّة تصعّب إنجاز التّقارير الاستقصائيّة في جميع أنحاء الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا منَ المراقبة والرّقابة الشّديدة إلى نقص الموارد المالية والتّحريريّة.
ما تزال دولٌ مثل السّعودية ومصر وسوريا والعراق من أخطر الأماكن في العالم على الصّحفيين وفقًا لمؤشّر حرية الصّحافة لسنة 2021 الصّادر عن منظّمة مراسلون بلا حدود. يوثّق التقرير كيف كثّفت هذه البلدان استخدام الممارسات القمعيّة للسيطرة على وسائل الإعلام، وكيف أن الانتهاكات ضدّ الصّحافة المستقلة لا تزال متفشيّة. وقال “شريف منصور”، منسق شؤون الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصّحفيين، إن الحكومات في المنطقة زادت من مراقبتها واختراقها وتجريمها للصّحافة، في حين هدفت الاعتقالاتُ الأخيرة إلى إسكات الصحفيين الجريئين.
تؤثّر هذه الظروف حتمًا على الحرّيّة الصّحفيّة وتؤثّر على عمل الصّحفيين الاستقصائيين، ولكن قصص النّجاح موجودة. في كانون الأوّل 2021، انضمت ثلاث منصّات استقصائيّة من العالم العربيّ إلى الشّبكة الدّوليّة للصّحافة الاستقصائيّة، ليصل عدد المنظّمات المنضّمة إلى شبكتنا من المنطقة العربيّة إلى ست منظّمات. أنتج الصّحفيون طوال عام 2021 أعمالاً استقصائيّة ممتازة، جاء بعضها ضمن أعمال تعاونية عابرة للحدود في مجال الإبلاغ عن حقوق الإنسان، والتّحقيقات المالية، واختراق الهواتف. نحيي زملاءنا وزميلاتنا الذين يعملون في هذه المنطقة الصّعبة، ونفتخر بتسليط الضوّء على مجموعةٍ من أفضّل ما قدّموه خلال العام الماضي. – مجدولين حسن وشفيق فائز، GIJN عربي
الحقائق المدفونة عن مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني (مصر/ المملكة المتحدة)
مرّت خمس سنوات على مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر، ومع ذلك ما زالت تفاصيل القضية تتكشّف. وقد ظهرت آخر التطورات عبر برنامج “شيفرة” الذي بثته شبكة “العربي”الفضائيّة العربية ومقرها لندن، والذي بث شهادتين حصريّتين من الشّهود تفيد بأن “ريجيني” اعتُقل واستُجوب وعُذِّب في مقرّ المخابرات العسكريّة المصريّة في كانون الثاني 2016. كما كشف التّقرير – بناءً على شهادات أشخاصٍ كانوا معه في السّجن – تفاصيل تحقيقٍ إيطاليّ مصريّ مشترك، ضمّ تفاصيل من لائحة اتهام إيطاليّة ذكرت أسماء عدد من ضباط الأمن المصريين المرتبطين بالقضية. يعيد التّقرير بناء الأيام التّسعة الأخيرة لـ”ريجيني” ويوثّق مستوى تورُّط الشّرطة وأجهزة الاستخبارات منذ لحظة اعتقال “ريجيني” حتى وفاته. وفي تشرين الأول، عُلِّقت آخر دعوى قضائيّة ضد المتهمين بقتل “ريجيني”، ونفت قوّات الأمن المصرية تورّطها في مقتله.
تسريبات بيغاسوس: البرنامج التجسُّسيّ الذي لم يستثنِ أحدًا
كشفت فضيحة “بيغاسوس”، التي استندت على مجموعةٍ هائلةٍ من الوثائق التي حصلت عليها منظّمة Forbidden Stories (القصص المحرَّمة) غير الرّبحيّة، كيف تمّ اختراق جوّالات 50 ألف شخص، من بينهم سياسيّون وناشطون وشخصيّات معارضة وصحفيون وغيرهم، من قِبل حكومات متَّهمة باستخدام برنامج التّجسُّس “بيغاسوس” الذي تنتجه شركة NSO الإسرائيلية.
كان صحفيو درج، وهو موقع لبناني، ضمن فريقٍ مكوّنٍ من 80 صحفيًا تمّت دعوتهم لتمحيص البيانات، بدعمٍ فنيٍّ من مختبر الأمن التّابع لمنظّمة العفو الدّوليّة، وهو منصّة رقميّة مستقلّة تروي القصص الاستقصائيّة. أفاد الصّحفيون بأن NSO زعمت أنّها زوّدت حكومات المغرب والسّعودية والإمارات بتكنولوجيا التّجسُّس التي تنتجها. والظّاهر أنّ السّبب الذي قُدِّم للحصول على هذه التكنولوجيا هو تعقُّب الإرهاب ومكافحته.
وفي سلسلة من التدقيقات، حلّلَ الصّحفيون المحتوى الموجود في الوثائق بالتّحقُّق أولاً من مئات أرقام الهواتف. كما تمّ تحليل عشرات الهواتف تحليلاً جنائيًا للتّحقُّق مما إذا كانت قد تعرّضت للاختراق.
ضبطُ مخدراتٍ في اليونان يكشف تجارةَ المخدّرات المزدهرة في سوريا (سوريا)
كشف مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد ، بالتّعاون مع مشروع التقارير الاستقصائيّة في إيطاليا (IRPI Media)، تفاصيل عن شبكةٍ إجراميّةٍ سوريّة وشركات وهميّة يزعم أنها متورّطة في الاتّجار بالكبتاغون الشبيه بالأمفيتامين في البحر الأبيض المتوّسط. تمّ إعداد التقرير بفحص سجلاتِ محاكم يونانيّة وإيطاليّة وليبيّة بالإضافة إلى بيانات تسجيل الشّركات وتتبُّع الشّحنات ومقابلات مع مسؤولين وخبراء في الجريمة.
وتتبَّع التّحقيق عمليّةَ الاتّجار إلى اللاذقية، وفيها ميناء يخضع لسيطرة النّظام السّوري. هنا، اكتشف الصحفيون أن صاحب سفينة شحن تم ضبطها وهي تحمل كابتاغون وحشيش بقيمة 100 مليون دولار هو مواطنٌ سوريٌّ تربطه صلاتٌ بابن عم الرّئيس السّوري بشّار الأسد.
‘عظام الرقبة’: المحسوبية في فلسطين (الأراضي الفلسطينية)
شكّك هذا التّقرير الاستقصائيّ المتعمّق الذي نشرته شبكة أريج، وهي شبكة استقصائيّة مقرّها عمّان، في عدالة ممارسات التّوظيف في الأراضي الفلسطينية من خلال إظهار كيف توظّف أُسر النخبة السياسية الأقارب في المناصب الحكوميّة.
ويوثّق التقرير كيف تمّ تعيين 71 فردًا من أقارب المسؤولين الفلسطينيين في مناصب إداريّة ودبلوماسيّة رفيعة المستوى في السّنوات العشر الماضية: 23 في السلك الدبلوماسي و48 في مناصب حكوميّة أخرى. وتمكّن الصّحفيّون من إثبات ذلك من خلال مراجعة سجلات التعيينات لدى الدّولة، وفحص أرشيف الأخبار المحلية، ومراجعة إعلانات الوظائف المنشورة من قِبل ديوان الموظّفين العام. بعد الغضب الوطني الذي أثاره تعيين ابن شقيق وزيرة شؤون المرأة في عام 2020، دافعت الوزيرة عن اختيارها قائلةً إن من حقها اختيار مرشح من “عظام الرقبة، من أهلي على الأقل”. أدّت هذه الجملة الغريبة إلى ظهور هاشتاغ #عظام_الرقبة على وسائل التّواصل الاجتماعي، وإلى استخدامه كعنوان لهذا التّحقيق.
سجينات في اليمن (اليمن)
يسرى، امرأةٌ يمنيّة تبلغ من العمر 21 عامًا، حملت نتيجة اعتداء جنسيّ، حاول والدها قتلها بعد أن علم بحملها، وبما أنها كانت متزوّجةً من قبل، فقد اتُّهِمت يسرى بالزّنا وحُكِم عليها بالسّجن في العاصمة صنعاء. أمّا مغتصبها فقد أفلت من العقاب.
يسرى واحدةٌ من عشرات الشّابات اللواتي تم توثيق قصصهن في هذا التّقرير الاستقصائيّ، الذي رعته “شبكة أريج” ونُشر بالتّعاون مع “درج”، وOpen Democracy، وموقع خيوط الإخباري.
وبحسب شهادات النّساء المسجونات، وسجلات المحاكم، والمقابلات مع المحامين والعاملين في منظّمات المجتمع المدني، فإن النساء في اليمن كثيرًا ما يتمّ اتهامهنّ زورًا وإدانتهن بارتكاب جرائم. وبعد سجنهن تنبذُ الكثير من العائلات بناتهن، لذلك تعجز الكثيرات عن إيجاد مكان للإقامة بعد انتهاء محكومياتهن، وينتهي بهن الأمر بقضاء محكوميات أطول في السّجن.
ولا يقتصر الحبس التّعسفي على النّساء؛ بل يطول الأطفال والقاصرات، ومن بينهن امرأةٌ مسجونةٌ ظهرت في هذه القصة مع ابنتين بقيتا معها في السّجن لمدّة ثماني سنوات.
شهد تسريبُ أوراق باندورا، الذي نسّقه الاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين (ICIJ)، تعاونَ أكثر من 600 صحفي من جميع أنحاء العالم للتّحقيق في أسرار الفراديس الضريبيّة للنُّخب الثريذة من أكثر من 200 دولة ومنطقة، في واحد من أكبر أشكال التّعاون الصّحفيّ في التّاريخ.
وقد ساهمت عدّة منظّمات من المنطقة العربية في هذا الجهد العابر للحدود. وفي تونس، خصصت منظمة “انكفاضة” المستقلّة غير الرّبحيّة جزءًا خاصًا من موقعها الإلكتروني للتّقارير التي تتعقُّب ثروات مسؤولين تونسيين متنفّذين. أصدرت “شبكة أريج” تقارير في عدّة بلدان، بما في ذلك التّحقيق في ثروة ملك الأردن، وعائلة الصّباح في الكويت، وتأثير رجال الأعمال المدعومين من حكومات موريتانيا والسّودان واليمن.
أسهم في هذا المشروع شركاءُ إقليميون أكثر من أيّ مشروعٍ واسع النّطاق آخر للاتّحاد الدّولي للصّحفيين الاستقصائيين، حيث شاركت في المشروع مواقع إخبارية مثل “درج”، بي بي سي العربيّة، وموقع “لوديسك” من المغرب. تجاهلت معظم الحكومات في المنطقة هذه القصص بعد نشرها وامتنعت عن التّعليق. وحاول آخرون فرض الرّقابة على النّتائج، كما هو الحال في الأردن، حيث منع جهاز المخابرات في البلاد النّشر عن إمبراطورية الملك عبد الله الثاني العقارية السرّيّة والآخذة في التّوسُّع.
غابة الفساد (تونس)
تمّ استغلال صناعة الفوسفات المربحة في تونس، مما أتاح للبعض تحقيق مكاسب ماليّة هائلة على حساب الشّعب التّونسي. يبحث هذا التّحقيق في قطاع الفوسفات ودور رجلِ أعمالٍ-سياسيّ قوي ادُّعي عليه في قضيةٍ صدمت البلاد. حصلت مجلّة “الكتيبة”الإخباريّة على مجموعة من الوثائق السرية التي تلقي الضّوء على الصّفقات الدّاخليّة التي تؤثر على نقل وتسليم الفوسفات، وهو معدنٌ يُستخدم في الزّراعة في جميع أنحاء العالم، وما حدث للقطاع بالغ الأهمية في أعقاب الثّورة التّونسية. ورفضت الشّركة المذكورة في هذا التّحقيق التعليق على الادعاءات الواردة فيه، مشيرةً إلى التّحقيق القضائيّ الجاري. كما لم يردّ محامو رجل الأعمال-السّياسي، المتّهم باستغلال نفوذه لتحقيق مكاسب مالية، على طلبات صحفيي “الكتيبة” للتّعليق.
المرتزقة الرّوس: داخل مجموعة فاغنر (ليبيا)
كشفَ تحقيقٌ أجرتْه بي بي سي العربية عن حجم العمليّات التي أجرتها جماعة مرتزقة روسيّة غامضة في الحرب الأهليّة الليبيّة، وهي مجموعة “فاغنر”. ورغم أن هذه المجموعة العسكريّة الخاصّة سرّيةٌ إلى حدٍّ بعيد، إلا أن بي بي سي تمكّنت من التّحدُّث مع متعاقدَين عسكريين عملوا معها في السابق. وكشف التقرير نوعيّة الأشخاص الذين ينضمون إلى مجموعة “فاغنر” وافتقارها لمدوّنة سلوك فيما يتعلّق بمعاملة المدنيين أو أسرى الحرب.
تنفي الحكومة الرّوسيّة وجود أي علاقة لها بمجموعة “فاغنر”. لكن “قائمة تسوق” مزعومة لفاغنر عثرَ عليها مصدرٌ استخباراتي ليبيّ على جهاز تابلت وتمّ تسريبها إلى بي بي سي، تضمّنت نظام رادار حديث وأربع دبابات، وهي أسلحةٌ قال أحد المحلّلين العسكريين إنه لا يمكن الوصول إليها دون تعاون من الجيش الرّوسيّ.
مجدولين حسن، محرّرة القسم العربي لدى GIJN، صحفيّة حائزة على عدّة جوائز، عملت مع Global Integrity، و 100Reporters، وشبكة أريج للصّحافة الاستقصائيّة. وكانت مديرة وِحدة صحافة استقصائيّة في الأردن، وكانت أوّل أردنيّة ترفع دعوى على الحكومة الأردنية لحرمانها من حقها في الحصول على المعلومة.
شفيق فائز، محرّر مساعد لـ GIJN عربي، يتمتّع بخبرة تزيد عن عشر سنوات في رواية القصص المرئيّة والتّسويق عبر وسائل التّواصل الاجتماعي.