ملاحظة من المحرّر: لا يخفى على الصّحفيين ما يُتعارَف عليه هذه الأيام باسم “معلومات مفتوحة المصدر” أو OSINT (ا- مفتوحة المصدر). قد استخدم الصّحفيون عمليات التّنقيب في السجلّات العامّة، والبحث في قواعد البيانات، وغربلة وسائل التّواصل الاجتماعي، منذ ظهرت هذه الوسائل أوّل مرة. ما تغيّرَ اليوم هو الحجم الهائل لما هو موجودٌ على الإنترنت، وتطوُّر الأدوات الرقميّة لاكتشاف معلوماتٍ قيِّمة إخباريًا. الصحفيون ليسوا الوحيدين طبعاً، حيث يمكننا أن نتعلّم الكثير من المحققين الخاصّين، ومُحَلّلي الاستخبارات، وكما سترون أدناه: من نشطاء حقوق الإنسان.
في هذه المقابلة، وهي ضمن سلسلة حوارات بالبيانات من Datajournalism.com، يتحدّث “سام دوبرلي“ من منظّمة العفو الدّوليّة عن تحدّيات استخدام المعلومات مفتوحة المصدر في البحث والمناصرة في مجال حقوق الإنسان. يدير “دوبرلي” فريق التحقُّق الرّقميّ التّابع لمنظمة العفو الدّوليّة،ويوفّر موارد للصّحفيين الراغبين في تعلُّم المزيد.
حدّثنا عن مهنتك. كيف بدأتَ البحث في المصادرِ المفتوحة؟
بدأت مسيرتي المهنيّة في غرف الأخبار. انضممت سنةَ 2002 انضممت إلى اتّحاد الإذاعة الأوروبيّ، حيث عملتُ كمحرّر مساعِد ومنتج ومحرّر، ثمّ صرتُ مديرًا لمكتب الأخبار. عملتُ في الأخبار العاجلة ورأيت الصّحافة وهي تنتقل من التّقارير الإخباريّة التّقليديّة إلى جمع الأخبار عبر وسائل التّواصل الاجتماعي.
في عام 2013، التحقتُ ببرنامج الزّمالة في Tow Center للصّحافة الرقميّة التّابع لكلية الإعلام في جامعة كولومبيا، حيث بحثتُ في تأثير المحتوى الذي ينشئه المستخدمون في عمليّة جمع الأخبار. درستُ ماهيّة التحقُّق والأسئلة الأخلاقيّة حول استخدام هذا النّوع من المحتوى. ما معنى ذلك بالنسبة للأشخاص في جميع أنحاء العالم الذين بات لديهم قدرة أعلى على الاتّصال، وباتوا يتمتعون بقوّة الكاميرات في منازلهم، وصاروا قادرين على مشاركة كلّ ذلك مع العالم؟ ماذا يعني ذلك بالنّسبة لحقوق الإنسان؟
طلبت مني منظّمةُ العفو الدّوليّة سنة 2016 إعداد برنامجٍ يسمّى “هيئة التّحقُّق الرّقمي“ لمساعدة المنظّمة على إجراء البحوث باستخدام المعلومات مفتوحة المصدر. وكان من الواضح أن هذه القدرة الرقميّة على سردِ القصص وجمعِ المعلومات والشهاداتِ كانت شيئاً يجب على حركة حقوق الإنسان أن تنخرط فيه. أنا زميلٌ أيضًا في مركز حقوق الإنسان في جامعة إسيكس حيث أعمل مستشاراً بحثيًا لمشروعهم “حقوق الإنسان والبيانات الضخمة والتكنولوجيا”.
حدّثنا أكثر عن هيئة التّحقُّق الرّقمي في منظمة العفو الدّولية.
“هيئة التحقُّق الرّقمي“ شبكةٌ من المتطوّعين من أربع جامعات في العالم، مُدرَّبين على أساليب التّحقيق مفتوحة المصدر التي تمكّنهم من التّحقُّق من البيانات الماخوذة من منصّات التّواصل الاجتماعي. وتضمُّ المبادرة اليوم 100 طالب من سبع جامعات. وتشمل مراكزَ حقوق الإنسان في جامعة كاليفورنيا، بيركلي (الولايات المتحدة)، وجامعة إسيكس (المملكة المتحدة)، وجامعة بريتوريا (جنوب أفريقيا)، وجامعة تورنتو (كندا).
الطلّابُ المطّلعون على قانون حقوق الإنسان، يتطوّعون للانضمام إلى البرنامج. نعلّم الطلاب تطبيق منهجيّات رقميّة جديدة عند العمل على توثيق حقوق الإنسان والأدلّة. يمكّنهم التّدريب التّقني الذي يتلقّونه من التّحقُّق من صحّة مقاطع الفيديو والصّور الفوتوغرافية من وسائل التّواصل الاجتماعي، وموقعها، ووقت التقاطها، وهي مهاراتٌ أثبتت قيمتها في الأبحاث المستقبلية. تساعدُ نتائجُ جهودِهم منظّمةَ العفو الدّوليّة على رصد انتهاكات حقوق الإنسان والإبلاغ عنها.
ما هي أكبر التّحديات التي تواجهها في عملك كرئيس مختبر الأدلّة في فريق الاستجابة للأزمات في منظّمة العفو الدّوليّة؟
هناك طرقٌ عديدةٌ للتّفكير بهذا السّؤال. العثورُ على المعلومات وضمان أن ما تقوله دقيقٌ يشكّل تحديًا صعبًا. ثمّة عقبةٌ أخرى، وهي إقناعُ الباحثين الذين اعتادوا على إجراء مقابلات يروون فيها شهاداتهم بإدخال أشكال جديدة من البيانات إلى عملهم. كما أن رؤيةَ الفظاعات التي يُلحقها البشر ببعضهم تخلّف أثرًا صعبًا. الجانب المؤلم من العمل حقيقيّ.
كما أن حجم العمل مهمٌ جدًا. على سبيل المثال، نشرنا تقريرًا في أكتوبر 2020 حول احتجاجات عام 2019 في تشيلي. استخدمنا معلومات مفتوحة المصدر، بالإضافة إلى الشّهادات الميدانيّة لإظهار المسؤولين الحقيقيين عن الإصابات. وتطلّب ذلك أن نتعمّق في التّفاصيل وأن نتعرّف إلى ضبّاط الشّرطة الذين كانوا في الشوارع وأن نرى نفس الشّخص في الفيديو تلو الآخر. على الباحث أن يكون دقيقًا عندما يُجري هذا النوع من البحوث. للتّحقُّق من مقاطع الفيديو، عليك أن تراجعها إطارًا تلو الإطار وأن تأخذ من مقطع الفيديو كل المعلومات التي يمكنك أخذها.
ما هي المصادر التي تنصح بها الصّحفيين المهتمين بالتّحقيقات مفتوحة المصدر؟
أطلقت منظّمة العفو الدّوليّة مؤخرا دورتين على الإنترنت على Advocacy Assembly، وهي منصّةٌ تدريبٍ متعدّدة اللغات للصّحفيين والنّاشطين. وتقدّمُ الدّوراتُ [المجانية] مقدمةً عن طرق البحثِ مفتوحِ المصدر وأفضل الممارسات المتّبعة فيه، وطرق استخدام هذه الأساليب الجديدة لجمع المعلومات في إعداد التّقارير والوثائق المتعلّقة بحقوق الإنسان. يمكنك الاشتراك في “تحقيقات المصادر المفتوحة لحقوق الإنسان: الجزء الأول“. وتحقيقات المصادر المفتوحة لحقوق الإنسان: الجزء الثّاني باللغات الإنجليزيّة والعربيّة والفارسيّة والإسبانيّة.
وفي حين أن المحتوى يركّز كثيراً على التحقق الرقمي لأعمال حقوق الإنسان، إلا أنه مهمٌّ أيضاً للصّحفيين. وتتميز كلتا الدّورتين بمزيج من الأصوات الخبيرة، بما في ذلك أمين الأرشيف “إيفون نغ” من WITNESS، وخبير الأسلحة والعمليّات العسكرية في منظّمة العفو الدولية “بريان كاستنر”،والمحامية “ليندساي فريمان” من مركز حقوق الإنسان في جامعة كاليفورنيا في بيركلي.
لدى منظّمة العفو الدوليّة موقعٌ إلكترونيّ يسمّى “أدلّة المواطن”، نضع عليه دراسات حالة عندما ننشر تقريراً كبيراً يتضمّن معلومات مفتوحة المصدر. والهدف من ذلك هو تقديم لمحةٍ عن كيفيّة القيام بهذا العمل وراء الكواليس.
حدّثنا أكثر عن “الشّاهد الرقمي”، وهو الكتاب الذي شاركت في تحريره.
يتعيّن الآن على المنظّمات غير الحكوميّة المعنيّة بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم أن تعرف كيف تبني على أفضل المعلومات، وتدمجها في أبحاثها، لأنّها قوية جداً. ومن خلال هيئة التّحقُّق الرّقمي، أدركنا أن هذه الموارد غير موجودة. لهذا اجتمعنا أنا و”أليكسا كونيغ” المديرة التّنفيذية لمركز حقوق الإنسان في جامعة كاليفورنيا – بيركلي، و”داراغ موراي”، من مركز حقوق الإنسان في جامعة إسيكس، وقررّنا أن ننشر كتابًا عن هذا الموضوع. يعلّم الكتاب الأساليب والممارسات الفضلى لإجراء بحوث المصادر المفتوحة، ويلقي الضوء على إسهامات أشهر باحثي المصادر المفتوحة في العالم. كما يقدّم مجموعةً شاملة من المواضيع، بما في ذلك اكتشاف البيانات والحفاظ عليها، والاعتبارات الأخلاقيّة، لتزويد القرّاء بالمهارات اللّازمة للعمل في بيئةٍ رقميّة ومشبعة بالمعلومات بشكلٍ متزايد.
بماذا تنصح الصحفيين الجّدد في مجال المعلومات مفتوحة المصدر؟
نصيحتي ألا تهابَ المعلومات مفتوحة المصدر وأن تُقبِلَ عليها. أعرف أن المعلومات مفتوحة المصدر قد تبدو وكأنها شيء مُبهم، يتطلّب نوعًا من التقنيات السحريّة. تذكّر أنها مجرد طريقة أخرى لإجراء الأبحاث. كصحفيّ، إنها مجرد طريقة أخرى للإجابة على الأسئلة الصحفية: من وماذا وأين ومتى. أي أنّه شيءٌ بمقدورك فعله. يتطلّب الأمر استخدام مهارات التّفكير النّقدي بطريقةٍ مختلفة قليلاً.
على سبيل المثال، هل هناك مزارعون يتظاهرون في الهند؟ حسناً، هناك الكثير من المعلومات مفتوحة المصدر عن ما يجري هناك. استخدِم الموارد المتوفّرة لتبنيَ على ما هو موجود. ونظراً إلى أن هذا الفضاء جديدٌ جداً، فإن الفُرَص كبيرة.
وأخيراً، ما هي التحديات التي تراها كلّما تقدّمت في مجال التحقُّق الرقمي في حقوق الإنسان؟
فهمَ الباحثون والصّحفيون كيفيّة البحث في يوتيوب وفيسبوك. ولكن شركات التكنولوجيا الكبرى تغيّر الأشياء باستمرار دون استشارة، وهذا يتحوّل إلى مشكلة، ومع ذلك يجد النّاس الحلول دائمًا رغم التغييرات. تذكّر أن التقنية ليست مهمّة، المهمّ هو طريقة تفكيرك بالمقاربة. المهم هو كيف تطوّر طريقةٍ تفكيرٍ تعتمدُ على التّحقيقِ مفتوحِ المصدر.
يقول الجميع أن تحديد الموقع الجغرافي مهمٌّ جدًا للبحث مفتوح المصدر. حسناً، ولكنك قد لا تتمكّن من تحديد الموقع أحياناً، فماذا الذي يمكنك أن تبحث عنه لتثبت حقيقةَ شيءٍ ما ولتثبت أنه انتهاكٌ لحقوق الإنسان؟ ركّز على طريقة التّفكير بدلاً من الاعتماد على الأدوات، فالأدوات في تغيّرٍ مستمرّ.
نُشرت هذه المادة في الأصل على Datajournalism.com، بعد مناقشة عقدت كجزء من سلسلة حوارات بالبيانات. أُعيد نشرها هنا بإذن. البودكاست متوفّر على Spotifyأو SoundCloud أو Apple Podcasts.
تارا كيلي هي محررة البيانات في مركز الصّحافة الأوروبي، الذي أنشأَ DataJournalism.com. كتبت لـ FT Weekend Magazine ، و TIME Magazine، و France 24، و CNN، و Huffington Post. حاصلة على شهادة عليا في صحافة البيانات من University College Dublin.