كوفيد 19
الاستقصاء عن الرّعاية الصّحيّة أمرٌ معقّدٌ وصعب. إعداد التقارير عن هذا الميدان يتطلّب قراءة وثائقٍ طويلة والاطّلاع عن قرب على المصطلحات الطبّية. كما أن الأرقام والإحصاءات جزءٌ من اللعبة. ورغم أن مُنحنى التّعلُّم قد يكون حادًا، إلا أنه هذا المجال المتخصص من الصّحافة الاستقصائية لا تنفدُ قصصُه، وستكون القصص عالميّةً وجذّابةً ومقنعةً فعلًا.
تحوّل الكثير من الصحفيين خلال أزمة كوفيد-19 فجأةً إلى استقصائيين في مجال الطّب، وهو أمرٌ قد يكون محبِطًا ومليئًا بالمزالق. سيزوّدُ هذا الدّليلُ الصّحفيين بالمعارف الأساسيّة اللازمة للتّعمُّقِ في العديد من جوانب كوفيد-19، وهو مجال معقدٌ من مجالات العمل الصّحفيّ، وكذلك الأمر بالنّسبة للعديد من قضايا الصّحة العامّة الأخرى التي يمكن أن تكون صعبةً بنفس القدر. نبدأ مع بعض النّصائح المختصرة والأدوات لتحسين التّقارير التي تتناول كوفيد-19.
إحصاءات COVID-19
أولاً، ضع في اعتبارك أن كوفيد-19 هو اسم المرض النّاجم عن فيروس كورونا سارس-COV-2. من أجل التبسيط، سنشير في هذا الدليل إلى الوباء باسم كوفيد-19. تذكّر أنّه لا معنى لأيّ رقمٍ إذا لم يُوضّع ضمن سياق. على سبيل المثال، قبل الإشارة إلى أن أي قياس أو إحصاء عن كوفيد-19 غير عاديّ أو استثنائيّ، احرص على أن تعرف القياس العاديّ في سياق عدوى فيروسيّة، أو عواقبه المُحتَملة على صحّة المريض، أو الطّريقة التي يتمّ بها عادةً التّعامل مع أحد الأعراض في أيّ مستشفى. شرحُ السِّياق العامّ هو الطّريقة الوحيدة لنعرفَ ما إذا كانت الظاهرة غير مسبوقة، أو أنّها شائعةٌ في عالم الرّعاية الصّحية.
جمعت شبكة GIJN مصادر رسميّة وغير رسميّة لبيانات كوفيد-19. صفحةُ الإحصاءات والأبحاث الخاصة بـ COVID-19من Our World in Data مصدرٌ قيّمٌ لبيانات كوفيد-19. بالنّسبة لأوروبا، يُعتبر EuroMOMO مصدرًا ممتازًا يقدّم نظرةً عميقةً وأفكاراً للكثير من التّحقيقات حتى لو لم تكن تكتب عن أوروبا. تذكّر أنّ العديد من العوامل تؤثّر على طريقة جمع البيانات وتقديمها، وتدخل في المواضيع مقارباتٌ مختلفةٌ وعوامل مُحيِّرة.
تمسَّكْ بأفضل الأدلّة العلميّة المتوفّرة
لدى منظّمة الصّحة العالميّة موقع على شبكة الإنترنت يسرد الدّراسات المنشورة عن كوفيد-19. ستكتشف بعد قراءة هذا الدليل، أن هنالك اختلافات كبيرة بين الدّراسات من حيث التّصميم والأهمّيّة. كما ستكتشف أنّ هذه الأزمة العالميّة أدّت إلى إنتاج كميّة ضخمةٍ من البحوث التي تنشر بسرعةٍ فائقة. معظم هذه الدّراسات لا يمرُّ بعمليّة المراجعة المعتادة والعديد منها قائمٌ على الملاحظة، ممّا لا يصعّب علينا التّوصُّل إلى استنتاجاتٍ موثوقة. باختصار، هناك الكثير من الضّوضاء في الوقت الحالي في عالم البحث الطبّي، وقد يكون من الصّعب على الصّحفي غير المختصّ في هذا المجال أن يفهمه حقَّ الفهم.
حتى تفهم ما يجري، نوصي باستخدام منهجيّة “الطبّ القائم على الأدلّة” (Evidence-Based Medicine approach) وهي منهجيّة تستخدم أفضل الأبحاث الحاليّة لتقييم رعاية المرضى. مركز جامعة أكسفورد للطب القائم على الأدلّة (CEBM) لديه خدمة خاصّة بأدلّة كوفيد-19 تنشرُ مراجعاتٍ سريعة وتحليلات باستخدام أكثر المنهجيّات تماسُكًا. ستجد على هذا الموقع ملخّصاتٍ دقيقة، مكتوبة بلغةٍ بسيطةٍ نسبيًا، عن أفضل الأدلّة المتاحة حول جوانب عديدة للكوفيد-19. ما هي الدّراسات المنشورة الموثوقة حول فوائد ارتداء عامّة النّاس للكمّامات؟ أين وصلت الأدلّة العلميّة في فهم آليات انتقال الفيروس؟ ما هي المعلومات المتوفّرة عن معدلات الوفيّات وفعالية هذا التدخُّل أو ذاك؟ المساهمون في “خدمة الأدلّة” علماءٌ مستقلّون ييبحثون ويحللون ويلخّصون ما نعرفه وما لا نعرفه عن كوفيد-19.
من هو الخبير؟
يتحدّث العلماء من كلّ التخصصات إلّى العامّة عن كوفيد-19. ولكن هنالك اختلافات كبيرة في العلوم الطبّيّة بين العديد من مجالات الخبرة المتخصّصة. من الجيّد مناقشةُ كوفيد-19 مع علماء الأوبئة المختصّين بالأمراض المُعدية، وعلماء الأوبئة المختصّين بسلامة المطاعيم، لما لديهم من خبرة، خاصةً في انتشار وإدارة الأوبئة والجوائح.
يجب أن تضع تحذيرًا قبل النّماذج
النّماذجُ مُحاكاةٌ رياضيّةٌ تتوقّع النّتائج المُحتملة، مثل عدد الأشخاص المتُوقّع إصابتهم بفيروسٍ معيّن على مدى فترةٍ زمنيّةٍ معيّنة. كما قال العلماء “كارل هينيغان” و”توم جيفرسون” في نصّهما “نمذجة النّماذج“: “جميع النّماذج، الاستباقيّة منها أو الاسترجاعيّة، إذا كانت مستندةً إلى مبادئ علميّة فإنّها تعاني من التباسٍ كبير حيال نقطة انطلاقها، ولا يمكن التّعبير عنها بجُملٍ يقينيّة كجُمل العرّافين”. ويعتمد مستوى موثوقيّتها على عوامل كثيرة، لا سيّما البيانات التي بُنيت عليها. وقد تمّ تطوير النّماذج الأولى لكوفيد-19 في الوقت الذي كانت فيه البيانات المتوفّرة قليلة. وعلاوة على ذلك، فالأوبئة ليست خطّيّة، وفوضويّة إلى حدٍّ ما، مما يصعّب على أيّ نموذجٍ أن يتنبّأ بما سيحدث. كل هذه المحدّدات تعني أن جميع النماذج يجب أن تكون مسبوقةً بتحذير، وإذا كنت تستخدمها في مادّتك الصحفيّة، ينبغي عليك أن تفكّر جيّدًا بجميع العوامل المحيِّرة المحتملة ونقاط الضّعف المنهجيّة.
احذر من التقارير الإعلاميّة عن المزاعم الصّحيّة
قد يكون هنالك أخطاء في التّقارير الإعلاميّة، وغالبًا ما لا تستند إلى الأدلّة، وتعتمد في معظم الأحيان على البيانات الصحفيّة الحكوميّة والقطاعيّة. يتناول هذا الدليل بعمقٍ كيفية تقييم المزاعم البحثيّة بشكلٍ مُستقلّ ويستشهد بشكلٍ متكرّرٍ بعمل HealthNewsReview.org، ذو الخبرة في تقييم المطالبات الصحّيّة والطبّية كما يتمّ نشرها من قِبل وسائل الإعلام. يقوم موقع HealthNewsReview.org بعملٍ رائع خلال جائحة كوفيد-19. يركّز الموقع في كثيرٍ من الأحيان على المشهد الإعلاميّ في الولايات المتّحدة، ولكن نتائجه الرّئيسيّة تنطبق على جميع البلدان، ويمكن أن يوحي لك بالكثير من الأفكار لعملك الصحفيّ الخاصّ.
احذر من المبالغة في التّبسيط
لا يوجد شيءٌ مباشرٌ أو بسيطٌ في الوضع العالميّ الرّاهن. شكِّكْ بالمعلومات المتأثِّرة بالقطاعات أو التي تنقلها الحكومات. خذ وقتًا لتقييم الأدلّة بشكلٍ مستقلّ، وتحقّق من المعلومات من عدّة مصادر، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن تضارُبَ المصالح والأجندات المعقّدة شائعةٌ في مجال الرّعاية الصّحية. يمكن أن تكون المقارنة بين البلدان عمليّةً صعبةّ وعُرضةً للعثرات، حيث أن الاختلافات والعوامل المحيِّرة قد تؤثّر على المقارنة. إذا كنت بحاجةٍ إلى المقارنة، فاحرص على إعداد المقارنة لعوامل متعددة، مثل متوسّط العمر، الذي يختلف في كثير من الأحيان من بلد] إلى آخر – وهي مسألةٌ مهمّة خاصّة مع كوفيد-19 حيث أن معظم حالات الوفاة المسجَّلة كانت بين كبار السن. انتبه إلى أن البلدان تستخدم تعريفاتٍ مختلفة لحالات ووفيّات كوفيد-19.
لا تنسى القضايا الصحية الأخرى غير كوفيد-19
جميع التدخّلات الصحّية العامّة، الطبّية أو غير الطبّية (مثل التّباعد الجسديّ وارتداء الكمّامات)، لها تبِعاتُها. تأكّد من فحص الأدلّة على الفائدة و على الضرر من أيّ تدخّلٍ قد تقدّمه حكومتك في إطار كوفيد-19. هل هناك آثارٌ سلبيّة متوقّعة، هل يتمّ إبلاغ العامّة عنها بشفافيّة؟ تذكّر أيضًا أنّ معدّل الوفيات على المدى الطّويل ولجميع الأسباب أو الوفيّات عمومًا أهمّ في الصحّة العامّة من البيانات قصيرة الأجل التي ستُراجَع كثيرًا مع توضُّح القضايا.
بالإضافة إلى ذلك، قد يبدو أن وباء كوفيد-19 هو القضيّة الصحيّة الوحيدة في الوقت الرّاهن. ومع ذلك، فإن العديد من الاحتياجات الطبية المُهمَلة تشكِّلُ جزءًا من المشهد العالميّ للصحّة العامّة. مليارات من الناس في جميع أنحاء العالم محرومون من متطلّبات النّظافة الأساسية، والرّعاية الصحيّة الأوليّة، والأدوية الأساسيّة، ولا تتوفّر في العديد من المجالات علاجاتٌ ميسورةُ التّكلفةِ آمنة وفعّالة. وقد ساءت أحوال بعض هذه القضايا الصحّية مع تحوّل التّركيز إلى كوفيد-19. كما أدّت عمليات الإغلاق وغيرها من القيود إلى إرباكٍ غير مسبوق للأنظمة الصحّية، حيث اتجّه العديد منها من سيئٍ إلى أسوأ؛ ومن الأمثلة على ذلك ما آل إليه حال الحصول على اللقاحات في البلدان النّامية. إذا كانت أزمة كوفيد-19 قد حوّلت أنظار الصّحفيين والمحرّرين إلى قضيّةٍ واحدة في مجال الصحّة العامّة، فمن المهم النّظر في القضايا الطبّية الأخرى التي تأثّرت إلى حدٍّ كبير.
كن أكثر حذرًا عندَ الإبلاغ عن لقاحات وأدوية كوفيد-19
يجب عليك أولاً أن تواكب العلم المتعلّق بالأدوية واللقاحات. احرص على أن تفهم الموازنة الدّقيقة بين الفوائد والأضرار، وكيفيّة عمل السلطات التنظيميّة والدّراسات العلميّة ونُظُم الرّصد. لقد جمعنا في هذا الدّليل المواردَ اللازمة لتدعيم فهمك لهذه الأمور.
على سبيل المثال، من المصادر الجيّدة Brighton Collaboration، وهي شبكةٌ من المتخصصين في سلامة اللقاحات المستقلّين عن قطاع صناعة الأدوية. وكذلك مجموعة النصائح التي وضعتها Journalist’s Resource مفيدةٌ عند الكتابة عن لقاحات كوفيد-19:
1 – يجب على الصّحفيين أن يفهموا ما يمكن، وما لا يمكن أن تدلّنا عليه مختَلفُ مستوياتِ التّجاربِ السريريّة.
2 – احذر من الإعلانات عن بيانات علميّة التي تصدر من خلال بياناتٍ صحفيّة بدلاً من الأوراق الأكاديمية المنشورة في المجلات العلميّة.
3 – دعْ جمهورك يعرف الآن أنه قد يواجه، على الأقلّ، بعض الآثار الجانبيّة الخفيفة من لقاحات كوفيد-19.
4 – اشرحْ للجمهور التّركيبة السكّانيّة لتجمّعات المرضى الذين استُخدِموا لاختبار اللقاحات.
5 – ساعدْ جمهورك على فهمِ حدودِ الأمور المعروفة عن اللقاحات.
6 – ابنِ شبكةً من المصادر، وخاصة من أولئك القادرين على أن يشرحوا لك بيانات الدّراسات.
تعلّم من الماضي
على الرغم من أن الرّواية السّائدة في عام 2020 تقول أنّ العالم يواجه حالةً طبّيةً طارئةً وجديدة وغير مسبوقة، إلا أن الكثير من الدروس قد استُخلِصتْ عبر مئات السنين من الطّب والرّعاية الصّحّية وعلم الأوبئة. اعرفْ أكثر عن الإجراءات الروتينية والبروتوكولات في مجال الرّعاية الصّحية: كيف يتمّ علاج مرضى الجهازِ التنفسيّ عادةً في وحدات العناية المركَّزة؟ هل من المعتاد استخدام التنفُّس الصّناعي لكبار السّن؟ كم من المرضى يتأثرون بالمضاعفات النّاجمة عن التهابات فيروسية أخرى بعد خروجهم من المستشفى، وإلى متى يستمّر هذا التّأثير؟ اطّلعْ على المبادئ التّوجيهيّة والإجراءات الرّوتينيّة، وقارنْ المعاييرَ المعتادة للرّعاية مع ما يحدث مع كوفيد-19. لا تنشغل بالضجيج الإعلاميّ، ولا تنسَ أن الرّسائل الإعلاميّة والحكوميّة كانت مشحونةً عاطفيًا طوال هذه الأزمة؛ وعلينا كصحفيين استقصائيين أن لا نتأثّر بها.