في هذه الحلقة من سلسلة أدواتي المفضلة تحدّثنا مع “رومان أنين” (33 عامًا) رئيس تحرير موقع IStories الرّوسيّ، وهو موقعٌ إخباريّ استقصائيّ غير ربحيّ.
انطلق الموقع هذا العام (2020) ومقره في موسكو. طاقمه مكوّن من 13 موظفًا، واسمه اختصار لـ”Important Stories” أي “قصص مهمّة”. استقصى الموقع حتى الآن في مواضيع متنوعة مثل: اضطهاد السّياسي المعارض “أليكسي نافالني“، و المحسوبية داخل سوق إدارة النفايات في البلاد، والاختبارات المريبة للأجسام المضادة لفيروس كورونا.
ولد “أنين” ونشأ في مولدوفا، وكان يطمح منذ صغره إلى أن يصبح لاعب كرة قدم محترف. ولكنه ترك فريقه الشبابيّ عندما كان في السابعة عشرة وانتقل مع عائلته إلى روسيا. وفي محاولة لأن يبقى على تواصلٍ مع عالم كرة القدم الجميل، درس الصّحافة في جامعة موسكو الحكوميّة، على أمل أن يصبح معلقًا رياضيًا، ثم بدأ عام 2006 بالعمل ككاتبٍ رياضيّ في صحيفة نوفايا غازيتا الشهيرة في موسكو.
نوفايا غازيتا مطبوعةٌ محاصَرة، شهدتْ مقتلَ ستّةٍ من موظّفيها منذ عام 2000، وتتمتّع منذ فترة طويلة بثقافةٍ استقصائيّة قويّة. وهكذا، بدلاً من أن يكتفي بتغطية الأحداث الرياضيّة، سرعان ما وجد “أنين” نفسه يبحث في قصص الفساد في عالم كرة القدم، بما في ذلك التلاعب بنتائج المباريات.
وفي آب/أغسطس 2008، وبينما كان معظم زملائه في عطلة، اندلعت الحرب الروسيّة الجورجيّة. أرسلته “نوفايا غازيتا” لتغطية الحرب من خطّ المواجهة. وعند عودته، انضمّ إلى فريق الاستقصاء في الصحيفة، وظلّ عضوًا في الفريق حتى بدايات هذا العام. أثناء عمله في الفريق كتبَ عن قضية الاحتيال سيّئة السُّمعة التي كشفها المحامي والمدقق الضريبيّ “سيرجي ماغنيتسكي“، وكتب عمّا كشفته أوراق بنما عن “سيرجي رولدوجين“، وهو ميلياردير وعازف تشيلو وصديقٌ قديمٌ لـ”فلاديمير بوتين”، وعن الفساد في عقود البناء في دورة الألعاب الأولمبيّة الشتويّة 2014 في سوتشي، وعن “أصلان غاغييف”، المتّهم بأنّه العقل المدبّر لفرقةِ موتٍ كثيرةِ الّضحايا. وقد أجرى بعض هذه التحقيقات بالاشتراك مع “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظَّمة والفساد”، وهو اتّحاد دولي كان عضواً فيه منذ عام 2009.
حصل “أنين” على العديد من الجوائز الصحفية، من بينها جائزة نايت الدّولية للصّحافة في عام 2013 لعمله على قضية “ماغنيتسكي”، وثلاث من أرفع الجوائز الروسية في الصّحافة الاستقصائيّة: جائزة “أرتيم بوروفيك”، وجائزة “يوليان سيمينوف”، وجائزة “أندريه ساخاروف”. كما حصل على جائزة نايت تريلبليزر من المركز الدولي للصحفيين لعام 2020 لإطلاقه موقع IStories. وقد دفعت تقاريره عن “ماغنيتسكي” إلى إجراء تحقيقاتٍ جنائيّة في العديد من البلدان، في حين أن تقاريره عن ألعاب سوتشي دفعت الرئيس آنذاك “ديمتري ميدفيديف” إلى المطالبة بإجراء تحقيق. ولكن كما هو متوقّع في بلدٍ مثل روسيا يحتل المرتبة 149 من أصل 180 في مؤشر حرّية الصّحافة العالميّ 2020 لمنظمة مراسلون بلا حدود، فإنّ السلطات الروسية لا تتقبّل تحقيقاته عادةً بصدرٍ رحب. (من جانبه، يقرّ “أنين” بأن روسيا “ليست البلد الأكثر أماناً” للصحفيين، ولكنه يضيف أن الأمر أسوأ في أماكن أخرى).
أمضى “أنين” العام الدراسيّ 2018-19 في جامعة ستانفورد، كزميل جون س. نايت في الصحافة، حيث أخذ دروساً في التّرميز وعلم النفس، وهما مهارتان يرى أنهما مفيدتان للصّحافة، وفي تلك السنة تبلورت لديه فكرة موقع IStories.
ننقل لكم هنا ما حدّثنا به “أنين” عن بعض أدواته المفضّلة:
VeraCrypt
“يُمكِّنك VeraCrypt من إنشاء مجلّداتٍ مشفّرة (encrypted folders) لتحتفظ فيها بالبيانات بشكلٍ آمن. قبل VeraCrypt كنت أستخدم TrueCryp، الذي سمعت به من “جوليان أسانج” بينما كنت أعمل على قضية تسريب برقيّات الدبلوماسيّة الأمريكيّة.
“جئت إلى لندن لآخذ من ويكيليكس برقياتِ السّفارةِ الأمريكيّة في روسيا. ولنقل البيانات لم يكن من الممكن أن أحفظها بشكلٍ عاديّ على كومبيوتري المحمول أو حتّى على الانترنت ؛ كان عليّ أن أحفظ البيانات بشكلٍ آمن، ولهذا قمتُ بتخزين البيانات في مجلّدات مشفَّرة. لو بحثَ أيُّ شخصٍ حينها في كومبيوتري، لما تمكَّن منَ العثور على المجلّدات، وحتّى لو وجدوها لما تمكّنوا من فكِّ تشفيرها.
“الآن يمكنني استخدام VeraCrypt – وهي أداةٌ مفتوحةُ المصدر – تقوم بنفس المهمّة. يمكنك إنشاء مجلّدات مشفّرة على كومبيوترك، وإذا أردت، يمكنك رفعها على الإنترنت. كما يتيح لك أن تُموّهِ المجلّد بحيث لا يبدو وكأنّه مجلّدُ بيانات، وبدلاً من ذلك يبدو وكأنّه تطبيق أو فيلم.
“أستخدم VeraCrypt كل يوم لتشفير كل عملي الاستقصائيّ.”
LastPass
“LastPass يخزّن كلمات المرور المشفَّرة. كما يسمح لك بمزامنة أجهزتك بحيث تحتفظ جميعها بكلمات المرور الخاصّة بك بشكلٍ آمن. يمكنك بعد ذلك الوصول إلى كلّ كلمات المرور الخاصة بك على LastPass باستخدام كلمةِ مرورٍ رئيسيّة. تمكّنك هذه الأداة من استخدام العديد من كلمات المرور المعقَّدة، وتغييرها على الدّوام، دون الحاجة إلى تذكُّر الكلمات كلّها. أستخدمُ هذه الأداة يوميًا.
“أعرف مدى أهمية الأمن لأنني تعرّضتُ للاختراق ذات مرّة. وكان الاختراق على مستوىً عالٍ جدًا: أغلق الهاكرز بطاقة SIM الخاصة بي، وأنشأوا نسخةً منها، ثم طلبوا استرداد كلمة المرور من حسابي على Gmail ليتمّ إرسالها إلى رقم هاتفي، واستلموا كلمة السرّ على النسخة التي أنشأوها من بطاقة SIM. نصيحتي: في الدّول الفاسدة والسلطوية مثل روسيا، لا تستخدموا رقم الهاتف لاستعادة كلمة السرّ ولا حتّى كعامل ثانٍ، استخدموا أسلوب المصادقة المكوّن من خطوتين (two-step authentication). (بدلاً من ذلك، أستخدمُ أداة مصادقة Google كعاملٍ ثانٍ).
وأضاف “لكن حالتي نادرة. يتمّ اختراق غالبيّة الأشخاص لأنهم يستخدمون كلمات مرور ضعيفة، والأسوأ من ذلك، أنهم يستخدمون نفس كلمة المرور في حساباتٍ مختلفة. يساعدك LastPass على تجنُّب هذا المأزق. قد تتساءل: “إذا تمّ اختراق LastPass ، فهل سيتم اختراق جميع كلمات المرور الخاصّة بي؟” الإجابة: لا. لقد تم اختراق خادم LastPass بالفعل، ولكن لم يتمّ اختراق أيٍّ من كلمات المرور لأن LastPass لا تخزن كلمات المرور، وتخزّن فقط نسخًا “مُجزَّأة” من كلمات المرور، والتي لا يمكن فك تشفيرها”.
OpenRefine
“OpenRefine يمكّنك من تنظيف البيانات الفوضويّة، وهو أمرٌ صعبٌ فعلاً في بعض الأحيان. أنا أستخدم Python في معظم الحالات، ولكن بالنّسبة للأشخاص الذين لا يجيدون البرمجة فإنّ OpenRefine أداة عظيمة حقًا.
“تخيّل أن لديك جدول بيانات(spreadsheet)، فيه ملايين السّطور عن عقود الدّولة. وبطبيعة الحال، في مثل هذا الكمّ الهائل من البيانات سيكون هنالك أخطاء، على سبيل المثال في أسماء الموردين، أو سيتمّ الخلط بين التّواريخ، أو ستكون بعض السّطور مفقودة، أو أن بعض الأسعار ستكون مكتوبة بأشكال مختلفة. كيف ستتمكن إذن من جمع هذه القيَم؟ كيف ستحسب المتوسط؟ عليك أولاً أن توحّد شكل البيانات كلّها، وهو ما نسمّيه تنظيف البيانات. OpenRefine يمكّنك من تنظيف البيانات بسهولة.
“لقد استخدمت OpenRefine في قصتي حول إدارة النفايات، فقد كان لدي الآلاف من سطورِ البيانات حول مكبّات النفايات المختلفة في مناطق مختلفة. أردت أن أحلّل أين تقع أكبر مكبّات النّفايات.
“في البداية كنت أستخدم برنامجًا يسمّى Tabula، وكان يمكّنني من استخراج جداولٍ من ملفاتِ PDF المتاحة للعامة إلى Excel، ثم قمت برفع تلك الجداول إلى OpenRefine. كانت المهمةُ لتكون مستحيلة تقريبًا بدون OpenRefine. كنت سأضطر لمراجعة كلّ سطر من جدول البيانات للتحقُّق مما إذا كانت البيانات كلها موجودةً بنفس الصّيغة.
“كنت أمضي في السّابق شهوراً في تنظيف البيانات”
الكودينغ
“أنا أكتب الكود باستخدام لغتيّ برمجة: بيثون وجافا سكريبت. أستخدم بيثون بشكل رئيسيّ لجمع وتحليل البيانات، وأتْمَتة بعض المهامّ، بينما أستخدم لغة جافا سكريبت، وخاصة مكتبة D3 من جافا سكريبت، لتقديم البيانات بشكل مرئيّ.
“واحدة من الموادّ الأولى التي عملنا عليها في IStories كانت عن شراء عقود الدولة. في سياق الاستفتاء الدستوري الأخير، قرّرتُ تحليلَ مقدار الأموال التي أنفقتها الدّولة على الاستفتاء، وعلى ماذا أنفقتها بالضّبط.
“كانت المهمة لتكون مستحيلة بدون الكودينغ، لأنني جمعت 400,000 عقد متاح للعامّة. كنت بحاجةٍ لتحليلها، ومعرفة العقود الأكبر من بينها، وترتيبها، والعثور على أنماط مكررةٍ فيها. لقد استخدمت Python لتحليل البيانات، مما أنتجَ واحدةً منْ أشهر القصص على موقعنا. ما وجدته هو أن الدّولة أنفقت الكثير من المال على شراءِ ملايين الأقنعة والمعدّات الواقية ليستخدمها الموظّفون في مراكز الاقتراع، بينما كان الأطباء يعانون من نقص في معدّات الحماية خلال وباء كورونا. هذا يدلّك على أولويّات الحكومة”.
“عملتُ لأسبوعٍ تقريبًا على هذه القصة، والتي كان من المستحيل إنجازها دون الكودينغ. وإلا كيف كنت سأحلل 400 ألف عقد؟”
“استلهمتُ من هذا التّحقيق فكرة عملِ أداةٍ بكتابة كود لتطبيقٍ صغيرٍ باستخدام لغة بيثون، يقوم التطبيق بأخذ المعلومات التي تصدر كلّ يوم على موقع المشتريات الفيدرالي الرسمي، ويجمع تلك البيانات مع معلومات من سجلّ الشركات. ثم يقوم بتحليلٍ سطحيّ ولكنه مفيد للغاية حول المورِّدين المذكورين في هذه العقود: متى تمّ تأسيس الشّركة؟ كم عدد الأشخاص الذين يعملون في الشّركة؟ ما هو حجم العمل لدى الشركة؟ من يملكها، إلخ…؟ ثم يقوم التطبيق بتجميع الإجابات في ملف HTML، ويرسله إليّ وإلى فريقي من الصحفيين بالبريد الإلكتروني كلّ يوم. هذا يوفّر علينا الكثير من الوقت.
“في السّابق، كنت أراجع قاعدة بيانات المشتريات من وقت لآخر، إذا كان عندي وقت فراغ قصير. أمّا الآن فتممّ العمليّة بشكلٍ أوتوماتيكيّ. لا يستغرقني الأمر إلا ثوانٍ فقط لأقرأ النشرة”.
قاعدة بيانات المحاكم التّجاريّة الروسية
“روسيا لديها ما هو على الأرجح أفضل قاعدة بيانات عامّة في العالم عندما يتعلق الأمر بمحاكمنا التجارية. إنها مجّانية بالكامل، وما يجعلها فريدة من نوعها هو أنه يمكنك البحث باستخدام الكلمات الرئيسية. في معظم قواعد بيانات المحاكم، يمكنك البحث فقط باستخدام أسماء الأطراف في القضايا. ولكن قاعدة البيانات هذه تتيح لك البحث عن أيّ كلمة رئيسية في جميع الأحكام الصّادرة في المحاكم التّجارية في روسيا، ثم تعطيك النتائج في ملف PDF.
“لا تبحثُ قاعدةُ البيانات في المواد المودعة في المحكمة أو من خلال محاضر الجلسات؛ وحدَها قرارات القضاة هي المتاحة. لكن هذه الأحكام تلخّص القضيّة وتقدّم قرار القضاة النهائي، لذلك فهي مصدرٌ مفيدٌ جداً.
“عندما أحقق في شركة، أبحث عن اسمها في قاعدة البيانات هذه لمعرفة ما إذا كانت متورّطةً في أيّ نزاعات في المحكمة”.
“ذات مرّة، قرّرت على عجل أن أبحث في قاعدة البيانات عن كلمات ‘الاحتيال’، ‘المليارات’، و ‘غازبروم’ لمعرفة ما إذا كانت شركة الغاز الرّوسيّة العملاقة “غازبروم” قد تورطت في أيّ قضايا احتيال بمليارات الروبلات. وجدتُ قضيّةً كان فيها موظفو الضرائب يقاضون إحدى الشّركات التابعة لشركة “غازبروم” لشراء معدّات بسعرٍ مبالغ فيه عبر شركةٍ خارجيّة وكتبت قصّةً عن هذا الموضوع”.
قاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة وImport Genius
“واحدة من قواعد البيانات المفضّلة بالنسبة لي هي قاعدة بيانات الأمم المتحدة Comtrade. فهي تتيح لك رؤية البيانات حول تدفقات التصدير والاستيراد بين مختلف البلدان. استخدامها سهلٌ جدًا وتتيح لك البحث باستخدام البلد المستورِد والمصدِّر، والمُنتَج المتداول، والفترة الزمنية.
“بعد أنْ فرضتْ روسيا عقوباتٍ على عدّة بلدان أوروبيّة – توقّفت عن شراء بعض المنتجات من الدول التي فرضت عقوبات على روسيا – أراد الصحفيون أن يعرفوا كيف سيؤثر ذلك على واردات روسيا. Un Comtrade تمكّنك من الحصول على إجابة عن هذا السؤال، من خلال إدخال روسيا كمستورِد، وبقية العالم كمصدِّر. ثم يعطيك الكمية التي يتم استيرادها من هذا المنتج وكم تكلفتها. وهذا مجرد مثال واحد على كيفية استخدام قاعدة البيانات. أنا أستخدمها كثيراً، لأعرف إلى أين تصدّر روسيا أسلحتها رسميًا. (التجارة غير الرسميّة لا تظهر في قاعدة البيانات).
“آخر مرة استخدمت فيها قاعدة البيانات كانت بعد الانفجار الهائل لنترات الأمونيوم في العاصمة اللبنانية بيروت في 4 آب/أغسطس. ووفقًا لتقارير إخباريّة، كانت السفينة التي تحمل هذه البضائع في طريقها إلى موزامبيق عندما أوقِفت في بيروت. وتساءلتُ ممّن تشتري موزامبيق هذه المتفجّرات، ووجدت أن غالبية وارداتها من الأمونيوم كانت من أوكرانيا، لذلك اعتقدنا أن القصة قد تؤدي إلى أوكرانيا. في الواقع، أدت بنا القصّة إلى جورجيا، وهي مصدِّر آخر لنترات الأمونيوم إلى موزامبيق. لم تكشف قاعدة البيانات عن أصل هذه الشحنة بالتحديد ولكنّها أعطتنا فكرةً عامّة عن واردات موزمبيق من هذا المنتَج.
“لمعرفة المزيد عن الشحنة بالتحديد، يمكنك استخدام قاعدة بيانات أخرى، أحبّها كثيرًا ولكنها مكلفة للغاية: Import Genius. يتعيّن عليك الاشتراك حتى تتمكّن من استخدامها. [وتتراوح الاشتراكات الشهريّة بين 99 و399 دولاراً اعتباراً من أكتوبر 2020.]
“توفّر لك بيانات عن شحنات محددة والأطراف المشاركة في تلك الصّادرات والواردات. يمكنك البحث عن اسم الشركة التي تهمّك أو عن طريق رقم التّسجيل التّجاري الخاص بها.
أوليفيي هولمي: صحفي ومترجم فرنسي-بريطاني. يقيم في لندن، ونشر أعماله في The Times, The Independent, Private Eye, NiemanLab, The Africa Report, and Jeune Afrique وغيرها.