تقع محطة وقود بوستو دا تورى (Posto da Torre) في قلب حي برازيليا هوتيل الجنوبي، وبالقرب من العديد من المباني الحكومية. ومع وجود 16 مضخة وقود وخدمة غسيل الملابس ومقهى مفتوح على مدار 24 ساعة يوميا، تكتظ المحطة دائما بالسيارات التي تحتاج إلى البنزين والعملاء المتعطشين للباستيل. وتوفر المحطة أيضاً (لافا جاتو) أو خدمة غسيل السيارات مع العديد من خراطيم الضغط العالي التي تقوم برش المياه باستمرار على الإطارات والمصدات الأمامية الملطخة بالوحل مما يملأ الهواء المحيط بجزيئات الصابون. بعض عمالها الأكبر سنا وبعض الصحفيين الفضوليين وعدد قليل من السياح فقط يعرفون أن هذا هو المكان الذي بدأت فيه بالفعل أوبراسا لافا جاتو، أو عملية غسيل السيارات التي كشفت عن أكبر جريمة غسيل أموال في تاريخ أمريكا اللاتينية.
في أوائل عام 2014، بدأت الشرطة بالتحقيق في استخدام خدمة محطة بوستو دا تورى لتبييض وغسيل الأموال للمجرمين عبر تجار السوق السوداء للعملات. وما لم يكن من المتوقع أن يجدوه هو أن تجار الأموال هؤلاء كانوا يعملون لدى أكبر مدير تنفيذي لشركة النفط البرازيلية المملوكة للدولة بتروبراس. وتبين لاحقا أن هذا المسؤول التنفيذي هو واحد فقط من بين العديد من الموظفين المشاركين في عملية فساد ضخمة تضمنت الدفع الزائد لعقود الأشغال العامة الرئيسية، والرشاوى والمدفوعات الخارجية للسياسيين، وتمويل حملاتهم وأحزابهم السياسية بشكل غير قانوني.
تعتبر لافا جاتو الآن أكبر فضيحة فساد في العالم، حيث دُفعت أكثر من ملياري دولار على شكل رشاوى ليس فقط من قِبل شركة بتروبراس، لكن أيضا من قِبل بعض شركاتها الفرعية وكان من أبرزها شركة أوديبرخت التي أنشأت قسما كاملا داخل الشركة يسمى قسم العمليات الهيكلية للتعامل مع الرشاوى والمدفوعات الخارجية بقيمة 780 مليون دولار. أمريكي .وذهبت تلك الأموال إلى بعض أبرز الشخصيات والأحزاب السياسية ، ليس فقط في البرازيل، ولكن أيضا في 12 دولة أخرى في أمريكا اللاتينية وكذلك أنجولا وموزمبيق.
كانت الفضيحة في الغالب قصة برازيلية حتى عام 2015م، وقد اهتز على إثرها اقتصاد البلاد وتظاهر مواطنوها الذين خرجوا إلى الشوارع سواء لدعم أو ضد التحقيقات القضائية التي كانت تجري آنذاك. ووجه الاتهام لأكثر من 400 شخص وسجن المئات من بينهم الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. وبدأ المراسلون الاستقصائيون في أماكن أخرى يتساءلون عما إذا كان من الممكن فتح نفس النوع من صندوق باندورا في بلدانهم. كم وكيف ومن الذي دفع البرازيليين للرشوة في جميع أنحاء القارة للحصول على عقود لجميع الجسور والسبل وخطوط الأنابيب والموانئ وخطوط المترو التي كانوا يبنونها؟ إذا كانوا سيجلسون أمام أنظمة العدالة في كل بلد لمعرفة ذلك، فمن المحتمل أن ينتظروا لعقود من الزمن.
كان أهل مدينة بيرو هم أول من اكتشف هذا. و قام كلا من غوستافو غوريتي ورومينا ميلا من جريدة IDL- Reporteros وميلاغروس سالازار من Convoca (وكلا المنظمتين تعتبران أعضاء في الشبكة العالمية للصحافة الإستقصائية GIJN) بالوصول إلى نظرائهم البرازيليين، ومن ثم إلى الصحفيين الاستقصائيين في البلدان الأخرى، الذين تنافسوا مع بعضهم البعض في الحصول على المعلومات والمصادر ذات الصلة بالقضية.
سوف تؤدي تحقيقاتهم إلى فضح ما لا يقل عن 10 رؤساء سابقين فضلا عن نواب الرئيس والمحافظين والوزراء وغيرهم من كبار المسؤولين الذين تلقوا ملايين الدولارات على شكل رشاوى. وخلال هذه العملية قد يقومون أيضا بتطوير الصحافة الاستقصائية في المنطقة عن طريق التجربة والتعلم ووضع الأسس لمشاريع مستقبلية عابرة للحدود.
منهج الميليشيا
كانت الشكوك تدور حول شركة أوديبرخت التي أصبحت الشريك الرئيسي لحكومة بيرو في مشاريع البناء العامة في البلاد، حيث استمروا في طلب المزيد من الأموال لإنهائها والمطالبة بإبرام عقود جديدة. بدأت منظمة IDL-Reporteros في النظر في هذه الصفقات ونشرت أول قصة لها في عام 2011م دون أن تدرك أن ذلك كان مجرد بداية لقصة طويلة للغاية تتطلب تعاونا غير مسبوق مع زملاء من دول أخرى عبر الحدود.
وبصفته صحافيا مشاكسا متمرسا، أدرك غوريتي الذي يقود فريق الصحفيين الصغير التابع لمنظمة IDL- Reporteros أن القصة لها تداعيات أكبر بكثير. وعندما اندلعت فضيحة لافا جاتو في البرازيل في عام 2014م، أيقن انه يحتاج للعمل على ذلك بسرعة – والعمل مع زملاء يمكنه الوثوق بهم.
لم يكن هناك أي عقد موقع أو اتفاقيات مكتوبة. واتفقوا جميعا لفظيا على كيفية عملهم وفقا لأعلى معايير الجودة والأخلاق ومشاركة أية نتائج يمكن أن تساعد زميلا آخر.
كان أول شخص كلفه غوريتي في مهمة عبر الحدود للتحقيق في فضيحة لافا جاتو هو رولاندو رودريغيز، وهو مراسل استقصائي في صحيفة لا برينسا في بنما. وافق رودريغيز على الفور وتوجه إلى ليما. بدأوا بالنبش والاستقصاء معاً في عمليات غسيل الأموال التي تجري من خلال شركات بنما في الخارج. وقاموا بنشر قصة مشتركة في أغسطس 2015م.
وبعد أسابيع قليلة، قام غوريتي وزميله رومينا ميلا بالاجتماع مع المراسل الاستقصائي البرازيلي غوليرمي أمادو وهو كاتب عمود في جريدة ريفيستا أيبوكا وعضو في الجمعية البرازيلية للصحافة الاستقصائية (Abraji). وقد التقيا سابقا، في المؤتمر العالمي لشبكة الصحافة الاستقصائية العالمية GIJN في ريو دي جانيرو وذلك بفضل زمالة من معهد الصحافة والمجتمع (IPYS) في البيرو. وقد سافر أمادو إلى بيرو للكتابة حول قصة تدور حول تهريب المخدرات. لقد كان ميلا مساعدا له عبر تأمينه بالاتصالات وتوجيهه الى المناطق غير المعروفة.
أعرب أمادو عن تقديره لمساعدة زملائه، لذلك عندما سافر إلى ليما لحضور مؤتمر COLPIN ، مؤتمر الصحافة الاستقصائية الأكثر أهمية في أمريكا اللاتينية، وبدلا من أن يجلب لأصدقائه في بيرو زجاجة من أروع أنواع الكاكازا في البرازيل، فقد أحضر معه نوعا آخر من الهدايا وهو محرك أقراص فلاش يحتوي على أكثر من 2000 صفحة من البرقيات الدبلوماسية المسربة، والتي أظهرت كيف كانت وزارة الخارجية البرازيلية تضغط على الحكومات في بلدان أخرى نيابة عن شركة أودبريخت وشركات برازيلية أخرى.
مع ظهور المزيد من المعلومات من مصادر مختلفة، وانخراط المزيد والمزيد من اللاعبين من مختلف البلدان، بدأت منظمة IDL- Reporteros في تجنيد نخبة من الصحفيين الاستقصائيين البارعين في المنطقة: هوغو ألكونادا مون من لا ناسيون في الأرجنتين، جوزيف بوليسوك من أرماندو إنفو في فنزويلا، جيراردو رييس من يونيفيجن، إجناسيو رودريغيز وأليكساندرا زانيك من كوينتو إليمينتو في المكسيك، وفابيان فيرنر وداريو كلاين من سوديستادا في الأوروجواي. كما ستنضم لاحقا مونيكا ألميدا من إل كوميرسيو في الإكوادور، وماريا جيمينا دوزان من مجلة سيمانا في كولومبيا، ومجموعة من المراسلين في كويستيان بوبليكا.
حدث تطور كبير في نهاية عام 2016م، عندما توصل أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة أودبريخت إلى تسوية قانونية مع الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل وسويسرا. وفي اتفاقهم، اعترفوا بالمبلغ الذي دفعوه كرشاوى في جميع أنحاء المنطقة –وهو حوالي 800 مليون دولار أمريكي – لكنهم لم يحددوا لأي المشاريع كانت أو من الذين تلقوا هذه الرشاوى. ومع ذلك، تم الكشف عن هوية العديد من كبار الشخصيات السياسية، بما في ذلك الرؤساء ونواب الرؤساء، في التسجيلات الصوتية والمرئية للمدراء التنفيذيين في شركة أودبريخت الذين اعترفوا للمدعين العامين البرازيليين.
حصل أمادو على هذه التسجيلات في عام 2017م، وبمجرد إدراكه لأسماء الشخصيات السياسية، أدرك مرة أخرى أنه بحاجة إلى التواصل مع زملائه في البلدان الأخرى. ويقول أمادو: “لم يكن لي الحق في الاحتفاظ بهذه المعلومات لنفسي أو الكشف عن كل هذه الأسماء بمفردي”.
يرى غوريتي أن الشبكة التي أنشأها تحت مسمى “ميليشيا” تتجمع عندما تكون هناك حاجة ماسة إليها، وتعمل كفريق واحد للحصول على معلومة محددة أو معالجة المصادر أوالمستندات، لكنها تظل نائمة.
يقول ألكونادا من جريدة “لا ناسيون” عن أسباب استجابة بقية الصحفيين لدعوة غوريتي وميلا وأنهم بدأوا العمل معا تحت إشراف ميلا ” لقد كانوا يقدمون [معلومات أساسية ومعرفة بالقضية] أردناها جميعا. من قد يقول لا؟”. أخبر العديد من أعضاء الفريق الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية أن وجود ميلا كان أساسيا لنجاح المجموعة: كانت هي التي تنظم المواد التي يجمعونها، وكانت تتأكد من ترجمتها من البرتغالية، وتدعو الجميع لحضور مكالمات جماعية عبر تطبيق سكايب، وتنسق المقابلات مع المصادر وتبادل المعلومات مع بقية المجموعة”.
لم يكن هناك أي عقد موقّع أو مخاطبات مكتوبة. ولقد اتفقوا جميعا شفهيا على كيفية عملهم وفقا لأعلى معايير الجودة والأخلاق ومشاركة أية نتائج يمكن أن تساعد زميلًا آخر. كان الهدف الرئيسي هو فهم هذه القصة المعقدة بشكل أفضل. وقد كان بإمكانهم مراجعة مسودات بعضهم البعض، لكنها لم تكن إلزامية أبدا. ان لكل فرد حرية نشر القصص التي اعتبروها أكثر أهمية في سياقهم الخاص وكتابتها بأسلوبهم الخاص. كان يمكنهم أيضا نشر عمل بعضهم البعض، مع الاحتفاظ بالتوثيق المناسب.
يرى غوريتي أن الشبكة التي أنشأها تحت مسمى “ميليشيا” تتجمع عندما تكون هناك حاجة ماسة إليها وتعمل كفريق واحد للحصول على معرفة محددة، أو معالجة مصدر أو معالجة المستندات لكنها تظل خاملة في العموم. ويعتقد لو أنها كانت تعمل في إطار هيكل أكثر رسمية، ربما لا يمكنها أن تكون فعالة كما هي بالشكل الحالي. يقول غوريتي حول الإبلاغ عما يعتبره القصة الأكثر تعقيدا وتحديا في مسيرته الصحفية بأكملها: “لقد كانت عملية رائعة وتجربة تعليمية أيضا”.
وبالنسبة إلى أمادو، تحولت تجربة التقارير التعاونية هذه إلى موضوع لمشروع بحثه أثناء وجوده في جامعة ستانفورد للحصول على زمالة الفارس في عام 2017م. لقد كان مهووسا بنماذج التعاون ويعتقد أنه بإمكانه إنشاء فيسبوك مماثل للصحفيين الاستقصائيين. لكن مع تقدم أبحاثه، أدرك أنه لا يحتاج إلى إنشاء أداة تكنولوجية أخرى؛ وما كان عليه فعله أولاً هو مساعدة الصحفيين الآخرين على تغيير طريقة تفكيرهم حول التعاون المشترك فيما بينهم.
لا تزال شبكة “الميليشيا” نشطة ويفكر أعضاؤها في أشكال جديدة من التعاون – ليس فقط فيما بينهم، ولكن مع الآخرين أيضا. وفي الآونة الأخيرة، شارك عدد قليل من الصحفيين في سلسلة فيديو ساخرة تهدف إلى شرح فضيحة لافا جاتو لجمهور أكبر وأصغر سناً. كما يأملون أيضا في تحويل القصص المختلفة التي نشروها إلى كتاب لشرح لافا جاتو للقراء في جميع أنحاء القارة برواية أكثر تماسكا وشمولية. كما يقول غوريتي: “حتى ما بعد الحرب؛ ما زلنا مشغولين بالخنادق”.
الشبكة المهيكلة
ميلاغروس سالازار هي صحفية من بيرو متخصصة في البيانات، قام غوريتي بتدريبها في منظمة IDL- Reporteros قبل قيادتها فريق من الصحفيين الشباب لصحالح الموقع المستقل Convoca بمجرد أن قامت وزارة الخارجية الأميركية بالتعاون مع شركة أودبريخت المشبوهة وتم الإعلان عن ذلك للعامة ، تلقت سالازار مكالمة هاتفية من زملائها المكسيكيين لمعرفة مع من يتواصلون في البرازيل للحصول على معلومات حول الرشاوى التي دفعتها الشركة بدفعها في بلدهم. وسرعان ما تبعهم أصدقاء وزملاء آخرون من بلدان مختلفة وطلبوا نفس المعلومة.
كانت سالازار احدى أوائل الصحفيين في المنطقة الذين أقاموا علاقات تعاون مع الزملاء والمصادر البرازيلية. لقد فعلت ذلك أولاً مع الصحفي فرناندو ميلو من شركة بريو BRIO. وقد التقيا في مؤتمر COLPIN في مكسيكو سيتي في عام 2014م وبدأ كليهما الاستقصاء حول بناء الطريق السريع بين المحيطين الذي يمتد من البرازيل الى بيرو . وبعد بضعة أشهر، كشفت سالازار وميلو عن أن الشركة المكلفة بالبناء دفعت رشاوي لرجال أعمال بمدينة بيرو مقربين من الرئيسين السابقين أليخاندرو توليدو وآلان غارسيا، وقامت بتمويل حملاتهم السياسية.
اعتقدت سالازار أن الصحفيين في بلدان أخرى سوف يبدأون بنشر قصص مماثلة قريبا وأنه سيكون من الجيد أن يكون هناك منصة يستطيع كل من يستقصي فيها عن لافا جاتو في أمريكا اللاتينية نشر وقراءة مقالات بعضهم البعض. ولكن هذه الفكرة تحولت بسرعة إلى مشروع آخر بعد حضور سالازار برنامجا للتحقيقات الصحفية الاستقصائية لمدة أسبوعين في جامعة كولومبيا بالتحالف مع مؤسسة Nuevo Periodismo-Gabo في قرطاجة خلال عام 2017م. وهناك التقت الصحفي البرازيلي فلافيو فيريرا من فولها دي ساو باولو وقاما بالاتحاد والتعاون معا واتبعا مشورة مدربة البرنامج مارينا ووكر التابعة للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، للعمل في مشروع تعاوني طويل الأجل سيستمر في التحقيق في قضية لافا جاتو والتي ستشمل ليس فقط صحفيين من جميع أنحاء أمريكا اللاتينية ولكن أيضا صحفيين من أنغولا وموزمبيق.
سيكون منهجهم مختلفا عن منهج غوريتي. سوف يقومون ببناء شبكة أكثر تنظيما وأكثر تركيزا على المشروعات طويلة الأجل بدلا من التركيز على القصص القصيرة، حيث يقوم جميع الأعضاء بتغطية القصة نفسها وكتابتها، بشكل جماعي، ثم نشر فصل لكل بلد. لقد كان ذلك تحديًا، نظرًا لأن Investiga Lava Jato ، كما أطلقوا على هذه الشبكة، تضمنت في البداية 20 صحفيا من 11 دولة. وسيتوسع لاحقاً ليشمل 15 دولة. ولقد اجتمعوا جميعا في جلسة العصف الذهني في ليما، ووقعوا وثيقة مكتوبة حيث التزموا بمجموعة من القواعد، والتي تضمنت حضور الاجتماعات الافتراضية الأسبوعية واتباع المبادئ التوجيهية الأمنية واحترام قواعد السلوك والأخلاق.
مشروعهم الأول هو التحقيق القائم على البيانات. عملوا جاهدين للحصول على جميع العقود التي وقتعها شركة أودبريخت مع حكومة كل بلد من خلال المطالبة بحرية المعلومات، ومقارنتها مع مخصصات الميزانية الرسمية لكل من تلك العقود، ومن ثم اضافة جميع المدفوعات الزائدة او الاضافية التي ستؤول الى الشركة في النهاية. وقاموا بعد ذلك بمراجعة هذه البيانات مع رشاوى شركة أودبريخت والمدفوعات السرية في كل بلد.
وفي بعض الحالات، لم يكن قانون حرية المعلومات فعالا. لقد حاولوا الحصول على بيانات وتسريبات. وفي النهاية، انتهى بهم الأمر أيضا بسؤال شركة أودبريخت لتزويدهم بمزيد من المعلومات التفصيلية؛ على الرغم من أن الشركة استغرقت بعض الوقت، فقد سلموها إلى فيريرا، الذي شاركها مع بقية أعضاء الشبكة. ساعد الزملاء من Concejo de Redacción و Plaza Publica وهما منظمتان استقصائيتان لهما خبرة أكبر في العمل مع البيانات، والتحليل والمراجعة.
وكانت نتيجة عملهم الجماعي الشاق هو فيا سوبريكوستو الذي تضمن رسم خرائط كاملة لأعمال شركة أودبريخت العامة، وقصة جماعية كبيرة، وفصل واحد لكل بلد. وتم نشرها في نفس الوقت على وسائل الإعلام الخاصة بكل شريك. ولقد نشروا في وقت لاحق قصتين أخريين كبيرتين حول المدفوعات غير القانونية التي قامت بها شركة أودبريخت عبر البنوك في أندورا، وكذلك Castillo de Corrupción ، والتي كشفت عن صفقات سرية قامت بها شركة كامارجو كوريا.
وبعد عامين من إنشائها، لا تزال شبكة استقصاء لافا جاتو قوية كالمعتاد. وذلك لأنهم يقومون بالتركيز على ما يسمونه “كارتل البناء” في أمريكا اللاتينية، حيث يقومون بالاستقصاء عن اللاعبين الذين كانوا حتى الآن تحت رادار المدعين العامين. وقد تعاونوا أيضا مع شبكات صحفية أخرى مثل مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) للحصول على دعم إضافي وللمساعدة في الأمن بعد أن واجه أعضاء الشبكة في إفريقيا رد فعل عنيف على تحقيقاتهم.
تقول سالازار: “إن الفساد موجود عبر الحدود الوطنية -وأفضل طريقة للصحفيين للتحقيق حوله هو بناء الجسور والتعاون مع الآخرين ومن الأفضل العمل مع الآخرين بدلاً من أن تقوم به منفردا.
العمل معا
لم يتوقع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين الانتخراط في قضية لافا جاتو لكن في يناير 2019 م، حصل الصحفي الإكوادوري أندرسون بوسكان من مؤسسة الأخبار “لا بوستا” على مجموعة جديدة من الوثائق التي تكشف النقاب عن المدفوعات السرية في جميع أنحاء المنطقة، ورجع بذلك إلى الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ).
بحثت إيميليا دياز ستروك، وهي محررة الأبحاث في (ICIJ) والمنسقة عنه في أمريكا اللاتينية في أكثر من 13 الف ملف من من شعبة العمليات الهيكلية لشركة أودبريخت، فعرفت على الفور الى من تلجأ للحصول على المساعدة: كلاً من غيروتي وميلا في شبكة “ميليشيا” وسالازار و فيريرا من شبكة الاستقصاء لافا جاتو. يعتبر كل من غيروتي وسالازارعضوين قديمين في الائتلاف الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ. وقد شارك العديد من الأعضاء الآخرين في المنطقة بالفعل مع واحد أو آخر من شبكات كل منهما.
أول ما فعلته دياز ستروك هو تنسيق اجتماع افتراضي بحيث يمكن للشبكتين تقييم ما إذا كانت الوثائق تتضمن في الواقع معلومات جديدة وهامة أم لا، استمرت الشبكات في التحقق لمدة ٤ اشهر وعملت على مقارنة دفتر السجلات الرئيسي، بالمصادر الأخرى، وإشراك ما مجموعه 50 مراسلا عبر 10 دول في المنطقة. وفي 25 يونيو، تم نشر القسم الخاص بالرشوة باللغتين الإنجليزية والإسبانية على موقع الائتلاف الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ وعلى جميع مواقع وسائل الإعلام الشريكة.
وتستمر الدراما في الظهور والتطور، مما يؤثر على السياسة والانتخابات في جميع أنحاء القارة، فضلاً عن تشكيل الطريقة التي ينظر بها الناس إلى دور الصحفيين.
كان للقصص التي نشرتها شبكة “ميليشيا” غوريتي وشبكة سالازار وفيريرا التابعة لاستقصاء لافا جاتو- بالإضافة إلى تعاونهما في قسم الرشوة مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ تأثيرا هائلا في جميع أنحاء القارة. وفي معظم البلدان، فقد قام الصحفيون بأنفسهم ببناء قضية لافا جاتو بدلا من المدعين العامين. وقد تم استدعاء بعض الصحفيين من قبل المدعين العامين للإدلاء بشهادتهم، أو لمجرد شرح القضية لهم. وفي فبراير 2017م فقط، وافقت وزارات العدل في العديد من البلدان على آلية التعاون داخل المنطقة. ومنذ ذلك الحين، تلقت الوزارة العامة في البرازيل ما مجموعه 118 طلب تعاون من نظرائهم في المنطقة.
يرغب العديد من العمال في محطة بوستو دا تورى للوقود في برازيليا، الذين لا يحبون التحدث عن الفضيحة بأنفسهم ومحاولة تجنب الصحفيين، في رؤية نهاية هذه القصة. ولكن الدراما تستمر في الظهور والتمحور، وتؤثر في السياسة والانتخابات في جميع أنحاء القارة، فضلاً عن تشكيل الطريقة التي ينظر بها الناس إلى دور الصحفيين. وبينما يدافع البعض عن الدور الحاسم الذي لعبوه، جعلهم آخرون أهدافًا لحملات التشهير.
في الآونة الأخيرة، تعرض غلين غرينوالد وزملاؤه في ذا انترسيبت برازيل للتهديد لكشفهم وتشكيكهم في الطريقة التي تعامل بها القضاة والمدعون العامون بهذه القصة، الذين اعتبرهم الكثيرون بأنهم أبطال هذه القصة في قضية لافا جاتو البرازيل. حتى أن الرئيس جاير بولسونارو قال إن غرينوالد يمكن أن ” يقضي عقوبة في السجن”. وفي الوقت نفسه، قامت IDL- Reporteros أيًا بفضح الفساد داخل محاكم بيرو، وقبل ثلاثة أشهر، واجه غوريتي وموظفوه تهديدات بالقتل من مواطني بيرو الغاضبين، وألقوا باللوم عليهم في انتحار الرئيس السابق آلان غارسيا، الذي أطلق النار على نفسه عندما جاءت الشرطة لاستجوابه. يدعونا ذلك لتذكر إحدى عبارات وينستون تشرشل الشهيرة، والتي أخبرني غوريتي إياها حينها: “نحن فقط نقترب من بداية النهاية.”
كتالينا لوبو غريرو: محررة إسبانية في الشبكة العالمية للصحفيين الاستقصائيين GIJN وصحفية مستقلة. وقد كتبت في السياسة والنزاعات المسلحة وحقوق الإنسان والفساد في أمريكا اللاتينية، ومعظمها في كولومبيا وفنزويلا، حيث عملت مراسلة أجنبية لمدة ثلاثة سنوات.