تُشكل ألعاب الفيديو، منذ عقود، جزءًا كبيرًا من الثقافة الرقمية، لأنها تسمح للاعبين بالهرب من الواقع والعيش داخل عوالم افتراضية، وهي تجارة كبيرة أيضًا تُدر صناعة ألعاب الفيديو أكثر من مئة مليار دولار سنويًّا، بيد أنها لم تعد مبنية على الخيال، إذ بدأت المؤسسات الإخبارية تدريجيًّا وعلى مدار السنوات القليلة الماضية في تجربة طرق يمكن من خلالها الاستعانة بألعاب الفيديو في سرد القصص الإخبارية، ذلك أن هذه الفكرة تكسر أنماط السرد التقليدية المعتمدة على النصوص والفيديوهات والتسجيلات الصوتية والصور، وتذهب في فكرتها إلى مساعدة اللاعب، نظريًّا على الأقل، في الشعور بالانغماس داخل الحكاية التي يمرون بها.
وقد تعاونت “بروبوبليكا” و”بلايماتيكس” وWNYC، مؤخرًا، على إنتاج لعبة فيديو تسرد خمس قصص مختلفة لأشخاص أو عائلات حصلت على حق اللجوء في الولايات المتحدة، مستندة في ذلك إلى ملفات حقيقية. ويمر اللاعبون في “لعبة الانتظار” أو The Waiting Game بالرحلات اليومية لرجل تبتي يواجه التمييز في نيبال أو بحياة ناج من العنف الأسري في السلفادور، على سبيل المثال.
جلست “ستوريبِنش” مع “سيسي ويي” من “بروبوبليكا” لمناقشة عملية التغطية، وابتكار اللعبة والكود الداخل في المشروع، مع التطرق إلى مستقبل ألعاب الفيديو في الصحافة.
من أين نشأت فكرة عرض قصص هؤلاء المهاجرين الباحثين عن لجوء؟
بدأ المشروع نفسه كمحاولة للتوصل إلى الطريقة الأكثر فعالية، التي يمكننا من خلالها شرح عملية الدخول إلى الولايات المتحدة على حقيقتها، وتوصيلها إلى الجمهور وإلى أي شخص ليست لديه دراية حقيقية بما يعنيه أن تكون مهاجرًا أو طالبًا للجوء. وعليه، فقد نشأت الفكرة نتيجة المعلومات المغلوطة المنتشرة حول عملية الدخول وكيفية سيرها وبأي طريقة يكون القدوم إلى الولايات المتحدة، إذ أردنا أن تكون لدينا طريقة محددة ومنظمة تمكننا من توضيح الأمر.
ما هي عملية التفكير التي كانت وراء سرد هذه القصص باستخدام لعبة فيديو بدلًا من الوسائط التقليدية؟
عادة ما نضع جميع الوسائل الأخرى في اعتبارنا، في المقام الأول، إلَّا أن ألعاب الأخبار تحديدًا هي مسألة أهتم بها منذ مدة وكتبت عنها لفترة محاولًا اكتشاف كيف يمكن للصحافة أن تستفيد من مميزات الألعاب، وهكذا أخذنا نبحث عن موضوع وعن شيء أكثر ملائمة كلعبة تحقق استفادة أكبر للأفراد، على عكس محاولة تحويل موضوع محدد إلى لعبة.
على سبيل المثال: كانت بعض تحقيقاتنا الأخرى التي نفذناها في هذه الجزئية أفضل بكثير كقصة مكتوبة مدعمة بالصور أو غيرها من الوسائط، وبالتالي كانت هذه هي الوسيلة التي اتبعناها في التنفيذ. أما في هذه الحالة بالتحديد، كنا نفكر: “ماذا لو أعطينا للجمهور التجربة الفعلية أو التجربة المحاكية لنفس قدر الانتظار الفعلي الذي يمر به الأفراد داخل النظام؟”.
كم استغرقتكم تغطية القصص الخمسة وتضمين هذه التفاصيل الكثيرة؟
أعتقد أنني قضيت شهرًا أو شهرين في جمع معلومات كثيرة الصيف الماضي، ثم قمت تدريجيًّا بعمل متابعات. وهذا العام، قضيتُ من شهر إلى شهر ونصف في متابعة الثغرات الإضافية التي احتجت إلى سدها. ومن ثم، فقد كان الكثير مما قمنا به هو إعادة تأكيد لمعلومات كانت لدينا بالفعل أو الحصول على تفاصيل لا يكون المرء عادة بحاجة إليها.
على سبيل المثال: من بين الأشياء التي فعلتُها لعمل التحرير الصوتي والمرئي وكل هذه الأمور هو أنني ذهبت إلى بعض جلسات الاستماع التي تختبرها في اللعبة حتى أرى الطبيعة التي تتسم بها قاعة المحكمة الموجودة في هذا المكان بالتحديد وأتعرف على الأشياء المألوفة في هذه التجربة وفي هذا المكان وكيف تبدو. مثلًا: هل يكون باب حجرة الاستماع مفتوحًا بما يسمح لك بأن تسمع الأصوات في الطرقات أم يكون مغلقًا؟ وقد أحدث هذا الأمر اختلافًا في الطريقة التي يظهر بها الصوت فور أن تصبح في اللعبة وأي سيناريو يقع في المحكمة.
ما الذي حدد نقطة البداية لكل رحلة من القصص الخمسة؟
تتحدد نقطة البداية لكل رحلة مع اللحظة التي يبدأ فيها كل شخص رحلته إلى الولايات المتحدة، ولا نعرض أي شيء يحدث قبل هذه النقطة باستثناء ذكريات الماضي. على سبيل المثال: تعرضنا في قصة السلفادور إلى السيدة وابنها وهما يحاولان الرحيل أكثر من مرة من قبل حتى تتكون لديك صورة عن المسألة، إلَّا أن القصة الأساسية التي يختبرها المرء في اللعبة هي المرة التي نجح فيها الأمر واستطاع فيها الشخص أن يهرب وبدأت رحلته إلى الولايات المتحدة بالفعل. وهكذا، فإن القصص الخمسة تبدأ بشكل أساسي من عند نفس النقطة تقريبًا في حياتهم؛ النقطة التي يُمكن القول فيها: “ربما أكون قد حاولت الهرب من قبل، ربما لم أحاول، إلَّا أن هذه هي اللحظة التي انتهت بي إلى الولايات المتحدة”.
هل فكرتم في تضمين قصة شخص لم يحصل على حق اللجوء بدلًا من عرض خمس قصص ناجحة؟
لديَّ على الأقل قصة واحدة لم أستطع تحويلها إلى قصة جانبية، إلَّا أن المشكلة الأساسية مع هذا النوع من القصص هو أنني أحصل على قدر محدد من المعلومات لا أستطيع الحصول على أكثر منه. وقد حدث مع أحد القصص أننا حصلنا على معلومات كثيرة في البداية، وبعدها لم أجد طريقة للعودة والمتابعة ولم أستطع تحديد بعض المعلومات الإضافية. وهكذا، تسبب ذلك في أن أصبح تنفيذ جزء من اللعبة أمرًا غير ممكن، لأنني لم أستطع أن أتيقن من أشياء محددة ولم يكن هناك سبيل أن أعود إلى المصدر وأطلب منهم أن يشرحوا لي: “ماذا حدث هنا؟”.
هل هناك أية مخططات لتحقيقات من المحتمل أن تتابعوا من خلالها أجزاء أخرى من عملية اللجوء؟
يوجد بالفعل الكثير من الموضوعات التي تتناول الاختلافات الإقليمية في الأماكن التي يتصادف تواجدك فيها والقضاة الذين يتصادف مثولك أمامهم وأرجحية حصول أي شخص على حق اللجوء. ومن ثم، فهناك بالفعل تحقيقات أجرتها مؤسسات إخبارية أخرى تتناول هذا الجانب بالتحديد من المسألة. وهناك شيء نفعله بشكل عام في “بروبوبليكا” وهو أننا ننظر إلى الهجرة بنظرة شمولية كموضوع؛ لست أنا من يفعل ذلك تحديدًا، لكننا نخرج بسلسلة أشياء عن أشخاص يحصلون على حق اللجوء هنا أو عن أشخاص يهاجرون إلى هنا.
ما الكود الذي استخدمته تحديدًا لابتكار اللعبة والعرض التقديمي؟
لم نستخدم شيئًا خاصًا؛ عادة ما يدور العمل الذي يقوم به الفريق الذي أعمل به في نطاق التصميمات التفاعلية وتطبيقات الأخبار والتصميمات البصرية، وبالتالي فقد استخدمنا نفس الأدوات التي عادة ما نستخدمها من أجل تنفيذ هذه اللعبة، أي أننا استخدمنا HTML وCSS وجافا سكربت، ولأن بناء المواقع والأشياء التفاعلية على الإنترنت عادة ما يتطلب تكويدًا، فإننا لم نفعل شيئًا مختلفًا من أجل تنفيذ هذه اللعبة.
ما هي مميزات سرد قصة عن طريق لعبة إذا ما قورنت بطريقة عرضها عن طريق نصوص أو فيديوهات أو تسجيلات مسموعة؟
أعتقد أن أحد أكثر اللحظات المؤثرة في اللعبة هي عندما يختار المرء أن “يستسلم”. لقد بنينا خططنا على هذه اللحظة وخططنا من أجلها وبنينا تصميمنا حولها. ما أعنيه بذلك هو أنني ببساطة كان من الممكن أن أكتب مقالة صغيرة جدًّا تقول: “لقد وجدنا خمس قصص منفصلة، من خمس دول منفصلة، تعرض كل أنواع المعايير التي من الممكن أن تواجهك عند طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة”. لقد استغرقت عائلة بنجلاديش أكثر من ستة أعوام، أما سيدة السلفادور وابنها فقد استغرقا عامين وأربعة أشهر. يمكنني كتابتها على هذا النحو، ويمكن للناس قراءتها وفهمها بهذه الطريقة. من الناحية الفكرية، أنت تفهم ما تعنيه ستة أعوام وتفهم ما يعنيه عامان وأربعة أشهر.
لكن، ما كنا نحاول القيام به في هذه الحالة هو إجبارك على تمضية القليل من الوقت لاختبار شعور كل يوم من هذه الأيام، إذ إن قضاء 15 ثانية أو دقيقتين يشكل فارقًا، وكلما ازداد الوقت الذي تقضيه يزداد التأثر. وفي اللحظة التي تقرر فيها أنه لم يعد لديك صبر على قضاء هذا الجزء الضئيل من الوقت الذي قررت تخصيصه لهذا الأمر، ومن ثم “تستسلم”، يتكون لديك شعور بالتناقض مع قرارك الشخصي أولًا، ومن ثم مع حجم الوقت الذي اضطر هؤلاء الأشخاص الحقيقيون أن يقضونه انتظارًا، ومن ثم يمكنك مقارنة الوقت الذي استطعت أن تتنظره بالوقت الذي انتظره الآخرون، إلَّا أن المقارنة الحقيقية تكون مع المدة التي اضطر الأشخاص، الذين لم يتمكنوا من قضاء ثانية واحدة تعادل يومًا واحدًا أو ثلاث ثواني تعادل يومًا واحدًا، إلى تحملها. واعقد أنت المقارنة بنفسك.
ما هو مستقبل استخدام ألعاب الفيديو في أغراض صحفية؟
تتشارك ألعاب الفيديو والصحافة تاريخًا وإن لم يكن دائمًا الأكثر نجاحًا، إذ تمت تجربته في الشق المتعلق بالأخبار العاجلة التي يصعُب مع تقلباتها السريعة ابتكار شيء كهذا. وقد حاول مكانان مختلفان الأمر مرة أو مرتين في مساحة مشابهة تتناول تحقيقًا أطول أو موضوعًا من الممكن أن يستغرق وقتًا أطول في تطويره، وأعتقد أن الأمر قد شهد نجاحات أكبر على مدار الأعوام الأخيرة أكثر من ذي قبل.
السؤال الرئيسي هو ما إذا كان الأشخاص في المؤسسات الإخبارية مهتمون بتجربة الأمر أم لا، إذ على الرغم من أن هذا الشكل من الأشكال الصحفية ليس جديدًا، فإنه لا يُستخدم عادة في أغراض عرض القصص. كذلك، فإن أحد الأمور التي يجب الانتباه إليها دائمًا هو أن معظم القصص لا يُفضل تناولها من خلال لعبة، بل إن إقحام الأمر عليها يجعلها أسوأ.
نُشر هذا التقرير للمرة الأولى على موقع “ستوريبِنش”، ويُعاد نشره هنا بعد الحصول على إذن.
باتريك سترويكر هو باحث مساعد بكلية الآداب والإعلام والتصميم في جامعة “نورث إيسترن” وصحفي رياضة متمرس، حصل على درجة البكالوريوس في (الصحافة – تخصص رياضة) من جامعة ماساشوستس بأمهرست.