بقلم: كاترينا سابادوس| ترجمة : حازم العلي
التحقيقات الإستقصائية إشباع متأخر للمغامرة. غالباً ما تستغرق التحقيقات سنوات حتى تكتمل، خصوصاً أن ما يُكتشف غالباً ما يهز أُسس الأنظمة المالية القائمة والشبكات الإجرامية المعقدة. في حين أن الكشف عن جرائم أولئك الذين يعتقدون أنهم محصنين ضد التدقيق يزيد من الشفافية وإحتمالية المسائلة، كما توجد أيضاً فوائد اقتصادية للتقارير الإستقصائية.
جميع تكاليف التحقيقات الجارية – بما في ذلك الأدوات ومصروفات السفر وسلطة الشعب والنشر الفعلي للقصة – تتضاءل مقارنة بالمزايا والأموال التي يتم توفيرها أو استردادها كنتيجة لقصص التحقيقات.
في تقرير عام ۲۰۱۷ للشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية حول التأثير الإستقصائي؛ من وجهة نظر مالية ذكر بالضبط أن الصحافة الإستقصائية تولد فوائد إقتصادية أساسية للمجتمع.
القصص الجيدة تكشف مشاكل هيكلية لها تأثيرات سلبية على المجتمع، وتقود الى تغيير السياسات والإجراءات الجنائية التي تنقذ الملايين على المدى الطويل.
فيما يلي دليل جيب لخمسة تحقيقات حظيت بتأثير مالي عظيم بعد النشر.
المسار المفقود: نظام مُراقبة كارولينا الشمالية المضطرب (۲۰۰۸ )
نيوز آند أوبزيرفر
أسفر تقرير عام ۲۰۰۸ من قبل صحيفة محلية عن نظام الفحص الفاشل في ولاية كارولينا الشمالية ومئات جرائم القتل التي حدثت نتيجة لذلك، عن إصلاح شامل لنظام المراقبة في الولاية. وأصدرت الدولة ٣۱ قانونا جديدا عقب التحقيق، وانخفضت جرائم القتل التي ارتكبها أشخاص قيد المراقبة بشكل كبير بعد إقرارالتشريع الجديد.
من خلال تحميل الدولة المسؤولية في التقرير الإستقصائي، فقد أثر الصحفيون مباشرة على تغييرات السياسة الأمر الذي وفر لولاية كارولينا الشمالية 62,1 مليون دولار على المدى الطويل. كلف التحقيق الذي إستمر لستة أشهر كلف (نيوز آند أوبزيرفر) ۲۰۰ ألف دولار.
كانت الصحيفة في ذلك الوقت تخفض عدد موظفيها ولكنها اختارت توسيع فريقها التحقيقي لأن قصصاً كهذه لها فوائدها على المدى الطويل، سواء مالياً للجمهور أو العلامة التجارية للصحيفة.
الإبنة الضالة (۲۰۱٥ )، مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد
في تحقيق متعمق عن إبنة الرئيس الأوزباكستاني، وجدت أدلة على الإبتزاز وغسيل الأموال والرشاوي والتي بلغت قيمتها مليار دولار دفعت لجلنار كاريموﭭا من قبل الشركات الروسية والإسكندنافية لتأثيرها في صناعة الإتصالات في البلاد. ونتيجة لذلك، صادرت وزارة العدل الأمريكية ۸٥۰ مليون دولار أميركي مرتبطة بصفقات نظمتها كاريموﭭا وجمدت أصولها المُقدرة بحوالي ٣۰ مليون دولار في السويد.
وبسبب قصة هذا التحقيق، دفعت الشركات المتورطة تيليا للإتصالات و ﭭﻴمبل كوم غرامات تصل إلي ٩٦٥ مليون دولار و۷٩٥ مليون دولار تباعاً لوزارة العدل الأمريكية ولجنة سوق المال الأمريكية والمنظميين الألمان والسويسريين. أُدينت كاريموﭭا بتهم فساد متعددة في بلادها وظلت قيد الإقامة الجبرية منذ عام ۲۰۱٤م.
وثائق بنما (۲۰۱٦)، الإتحاد الدولي للصحفيين الإستقصائيين، زوددويتشي تسايتونج والمنظمات الشريكة
في عام ۲۰۱٥م، إتصل شخص مجهول الهوية بصحيفة زوددويتشي تسايتونج الألمانية وزودها بـ 2,6 تيرابايت من البيانات من مكتب محاماه في بنما توقف نشاطه مؤخراً يدعى موساك فونيسكا. بعد أكبر تعاون عبر الحدود بين الصحفيين، تم الكشف عن شبكة واسعة من الممتلكات السرية لمئات السياسيين ورجال الأعمال والمشاهير والمجرمين في جميع أنحاء العالم.
تكشف قصص التحري الجيدة عن المشاكل الهيكلية، والتي بدورها تقود لتغييرات في السياسات والإجراءات الجنائية التي تنقذ الملايين على المدى الطويل
وتم الكشف عن أدلة تشير الى أن موساك فونسيكا لديه كياناً في مكان ما لمساعدة العملاء على التهرب من الضرائب وكسر العقوبات . دفع العملاء ما لا يزيد عن 1000 دولار لإنشاء شركة وهمية مجهولة، ولتسجيل أجور إضافية، يقوم موساك فونسيكا بإخفاء حملة الأسهم، وتعيين الشركة كمدير زائف.
وقد أدت تداعيات هذه القصص إلى إستقالة وتنحي الوزراء والمسؤولين الحكوميين، ومن بينهم رئيسا وزراء آيسلندا وباكستان. وبدأت السلطات في 79 بلداً بعمل 150 تحقيقاً في هذه المزاعم، وإستعادت الحكومات عشرات الملايين من الدولارات كإيرادات ضريبية على رأس مال لم يعلن عنه مسبقاً. نتيجة للتقرير، فقدت حوالي 400 شركة متداولة علنياً متورطة في الوثائق ما مجموعه 135 مليار دولار من قيمتها.
قصص لافا جاتو (قيد البحث) مراسلو الدفاع عن القوانين، كونفوكا، فولها دي إس باولو، والمنظمات الشريكة
أثناء عملية لافا جاتو ( غسيل السيارات) الشائنة التي تعرف كتحقيق شرطي في أكبر فضيحة رشوة في تاريخ أمريكا اللاتينية، قبل إطلاق مركز بيرو للتدقيق وشبكة مراسلو الدفاع عن القوانين والذي نشر تقريراً عام ٢٠١١ عن شبكات الفساد المحتملة بين عملاق الإنشاءات البرازيلي أودبريشت وعقود الأشغال العامة في بيرو. بمجرد الكشف عن الفضيحة, نشرت الولايات المتحدة ٧٧ وثيقة لإفادات تجرّم مدراء أودبريشت, بدأ الصحفيون عبر أمريكا اللاتينية مشروعين لتتبع الفضيحة تحقيق لافا جاتو ولافا جاتو في أمريكا اللاتينية واللذان قدما تقاريراً عن تأثير القضية
وساعد المراسلون على تطوير تحقيق استعاد حتى الآن ما يقارب 2,6 مليار دولار في البرازيل وحدها. وأبلغ الصحفيون عن الملايين في رشاوى مزعومة تم دفعها للمسؤولين الحكوميين في الأرجنتين وفنزويلا والمكسيك والتي تخضع الآن للتحقيق من قبل السلطات.
وكنتيجة للتقارير والتحقيقات الصادرة عن مراسلي الدفاع عن القوانين، بدأ المدّعون العامون في بيرو تحقيقات قضائية في الإدعاءات التي رأت تورط مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى في مدفوعات غير قانونية بقيمة أكثر من 29 مليون دولار من أودبريشت، بما في ذلك الرئيس السابق بيدرو كوجينسكي، الذي إستقال من منصبه في وقت سابق من هذا العام.
ملفات (BAE (2003 -2010، الجارديان
على مدى سبع سنوات، قام صحفيان بالتحقيق في شبكة مزعومة للرشوة العالمية من شركة الأسلحة (أنظمة بي إيه إي) والتي تورط فيها سياسيون في الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا وأظهرت تواطؤ الحكومة البريطانية. أنشأت أنظمة بي إيه إي شركات تابعة في مناطق خارج البلاد لصب الرشاوي مقابل عقود أشغال كبيرة. كانت المزاعم خطيرة للغاية، والتورط عميق داخل الحكومة، لدرجة أن رئيس الوزراء آنذاك توني بلير حاول التغطية على الأمر عن طريق وقف جميع تحقيقات الشرطة في هذه المسألة.
في نهاية المطاف، أسفرت القصة عن إصدار قانون جديد للرشوة أشار إليه الخبراء بأنه “الإصلاح الأكثر أهمية للقانون الجنائي للشركات خلال قرن”. دفعت أنظمة بي إيه إي غرامات بمبلغ 400 مليون دولار في الولايات المتحدة و 30 مليون دولار في المملكة المتحدة لتسوية مزاعم الفساد. قاطعت القصة إتجاها مشتركا بين نخبة الأعمال في البلاد من أن الرشوة الأجنبية كانت طبيعية، وأثارت التحقيقات في أعمال فساد أخرى. وإنخفض مؤشر بريطانيا للشفافية إلى المركز السابع عشر على المؤشر الدولي للفساد.
لمزيد من التحليل العميق للأثر المالي العالمي لتقارير التحقيقات، يمكنك الاطلاع مشروع الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية مشروع التحقيق المؤثر الذي يشرح تفاصيل عشرة قضايا عالية التأثير مع الرسوم البيانية والمصادر والمقابلات.
كاترينا سابادوس كاتبة وصحفية مستقلة تعمل في إعداد تقارير التحقيق مع مشروع الجريمة المنظمة ومشروع الإبلاغ عن الفساد (OCCRP) وشبكة الإبلاغ عن الجريمة والفساد (KRIK) في صربيا