كتابة: راشيل الكساندر ترجمة: جهاد شيبني
قضيت فترة طويلة وأنا أعمل على قصة تتعلق بالعاملين في تقديم الرعاية الذين يتوفون بسبب جرعات زائدة من المواد الأفيونية، حتى شعرت بأنني لن أنتهي منها.
لم يكن عدم توافر البيانات السبب وراء ذلك، إذ إنني كتبت كثيرًا عن الجرعات الزائدة من المواد الأفيونية، واعتمدت في ذلك بشكل خاص على السجلات الرسمية للوفيات، من أجل الحصول على أرقام تمكنني من رسم صورة للمتوفين في واشنطن، وقد كانت مجموعة البيانات هذه مهمة جدًّا بالنسبة إليَّ، إذ مكنتني من إضافة عناصر قوية إلى قصص متعلقة بأهالٍ، وبأفراد يعانون من الإدمان، أو بأشخاص يحاولون فهم جرعة زائدة تناولها أحد المقربين.
ولأنني كنت أمتلك قائمة بأسماء أولئك المتوفين، فقد كان بوسعي أن أستخدم سجلات الوفيات الخاصة بهم في إضافة تفاصيل ذات طابع إنساني عن أشخاص لم ألتق بهم أبدًا، مع تذكير القراء أن هناك عددًا أكبر بكثير من ذلك الشخص أو الشخصين المذكورين في القصة، قد تضرر من جرعات المواد الأفيونية الزائدة.
القصة الأولى التي استعنت فيها بتلك البيانات المتعلقة بالوفيات كانت عن سكوت ماييارز، وهو أب فقد ابنته رايتشل (18 عامًا) نتيجة جرعة هيروين زائدة، وقد نُشرت هذه القصة في بداية عام 2016. سمحت لي الأرقام والأسماء الواردة في قاعدة البيانات بلفت الانتباه إلى أن هذه الوفيات كان لها تأثير عميق على العائلات والمجتمعات:
وتضم البيانات الصادرة عن وزارة الصحة، في عام 2014، قائمة بـ53 بالغًا تحت سن الـ25، لقوا مصرعهم في واشنطن بسبب جرعة زائدة تتضمن الهيروين. سيكون اسم رايتشل ضمن قائمة عام 2015، وسيُكتب في شهادة وفاتها “هيروين”. ما لن يُذكر هو أنها كانت طالبة شرف بمدرسة مونت سبوكان الثانوية، ومتطوعة بجمعية رفق، وأمًا لكلبتها البيتبول “صوفي”، ولاعبة كرة قدم وكرة طائرة. يقول ماييارز: “المدمنون أبناء شخص”.
بعد فترة قصيرة، أصبحت صحفية مختصة بشؤون الصحة، بدوام كامل، مع التركيز على الإدمان والأمراض العقلية.
نفس البيانات، قصة جديدة؟
قضيت وقتًا طويلًا في صيف وخريف 2016 أبحث عن قصص داخل ما كان عندي بالفعل من بيانات، وفي أحد أيام نوفمبر تقريبًا شعرت بملل ووجدت نفسي أفكر في تدريب كنت قدمته في “نيكار”، بعنوان “التجميعات”، وهي أن تقوم بتجميع أعمدة من جدول واحد أو أكثر في قاعدة بيانات متصلة. كنت على اطلاع كبير بالبيانات ذات الصلة بالوفيات الناجمة عن جرعة مخدر زائدة، من تقرير سابق، وكنت أعرف أن الدولة لديها قاعدة بيانات خاصة بالعاملين المرخص لهم تقديم الرعاية الصحية، مثل الممرضين والأطباء والفنيين الصيادلة والمستشارين، إذ كانت تصل إلى ما يقرب من 1.1 مليون سجل.
ثم فكرت؛ ماذا لو أجريت تطابقًا رقميًّا للأسماء بين هؤلاء العاملين في تقديم الرعاية الصحية وقائمة جرعة المواد الأفيونية الزائدة المتسببة في الوفاة؟ لم تكن لديَّ أي توقعات حقيقية في ذهني، إلَّا أن طرح السؤال بدا منطقيًّا.
في ذلك الوقت، لم يكن بإمكاني استخدام أي برامج تحليل بيانات سوى “إكسل” و”أكسس”، وقد أهلكت “أكسس” وأنا أحاول عدة مرات القيام بعملية التجميع، حتى أمسكت بـ”كاي تيو”، أحد المبرمجين العاملين معي في غرفة الأخبار، الذي مارس بعض السحر باستخدام “بايثون” ليأتيني بقائمة من التطابقات الرقمية التي يتطابق فيها تاريخ الميلاد بقاعدتي البيانات ويتشابه فيها الاسمان الأول والأخير. كانت النتيجة أن حصلت على 100 تطابق تقريبًا، بالنظر في سجلات الوفيات من 2010 إلى 2015.
وقد أفزعني هذا نوعًا ما، لأن ذلك كان يعني أن لدي قصة، وكان هذا أمرًا يفوق خيالي، فأنا لست “بروبوبليكا” ولا حتى فريقًا استقصائيًّا مكونًا من شخصين أو ثلاثة أشخاص في صحيفة يومية كبيرة؛ أنا مجرد فرد واحد يعرف ما يكفي عن قواعد البيانات ليصبح خطيرًا، وكنت خائفة من أنها لم تكن قصة حقيقية وأنني كنت أختلقها.
البحث عن الجانب الإنساني في البيانات
لم تكن لدي أدنى أفكر كيف أبدأ الكتابة عن ما بدا أنه مشروع ضخم جدًّا أن يقوم به فرد واحد، وكان أملي وأنا أبدأ أن أجد دليلًا دامغًا؛ أن سبب وقوع هذه الوفيات يرجع إلى فشل في النظام. جعلني حدسي الأول، كصحفية، أن أبدأ من المحلية، فبدأت أتطفل على ذوي المتوفين في منطقة “سبوكان” الأكبر، عن طريق إرسال الإيميلات والمكاتبة والتواصل عبر فيسبوك.
وفي نهاية ديسمبر، تواصلت مع سيدة اسمها “تامي كليفلاند”، عبر فيسبوك، وبعثت إليها هذه الرسالة: “مرحبًا، أعتقد أنك تقربين لهذا الشخص المتوفى الذي أهتم لأمره، هل يمكننا أن نتحدث؟”، فوافقتْ. كان اهتمامي منصب على بيث، زوجة والدها، التي كانت تعمل ممرضة وتوفيت، في سبتمبر 2012، بسبب جرعة زائدة من الهيدروكودون.
التقينا مساء أحد أيام يناير في مقهى ومحل هدايا اسمه “أتياكس” يقع وسط بلدة سبوكان. كانت قد خرجت لتوها من عملها في وسط سبوكان، وكنت في نهاية يوم طويل. كانت الطرق لا تزال مغطاة بالثلوج، وكنت سعيدة أننا استطعنا أن نتفق على موعد جيد للقاء في المدينة بدلًا من منزلها الذي يبعد 40 دقيقة خارج البلدة.
حافز أعمق
في حديثي مع تامي، بدأتُ حيث أبدأ عادة، بأن أشرح أن خالتي “كريستي” ماتت بسبب جرعة زائدة من الميثادون، في عام 2013، بعد أعوام من تناول هذه المادة الأفيونية، إلى جانب عقاقير أخرى كانت قد وصفت لها بعد حوادث طريق ومشاكل صحية أخرى.
ومنذ ذلك الحين، كان جزء كبير من عملي الصحفي مدفوعًا، في جزء منه، بمحاولة فهم موتها على نحو أفضل، وفي جزء آخر، بمحاولة التعويض بشكل ما، إذ كنت في الكلية، ولم أكن أتحدث معها أو مع العائلة كثيرًا، لأنني كنت منشغلة بالدراسة وكنت على وشك الانهيار نفسيًّا، معظم الوقت، فلم أكن أشعر بأنني أمتلك الطاقة لأي شيء آخر، وكنت أقول لنفسي أن الوقت سيكون دائمًا أمامي لإعادة التواصل بعد أن أتخرج. كانت في الأربعينات من عمرها، ولم يكن من المفترض أن تموت في هذا السن الصغير.
أبدأ من هناك، من المنبع، لأن ذلك يساعدهم على أن يفتحوا قلوبهم لي، بعد أن علموا أنني كنت أحد هؤلاء الذين تلقوا إحدى هذه المكالمات الهاتفية التي تسحب الهواء من جسدك وتتركك مصعوقًا عاجزًا عن قول أي شيء. أنا على يقين بأن كل حالات الوفاة التي تقع فجأة تكون شبيهة بهذا إلى حد ما، إلَّا أن تناول جرعة زائدة من عقار تجعل عقلك يدخل في العديد من دوائر التفكير المؤلمة، لأسابيع وشهور:
“كان ينبغي أن أتحدث إليها أكثر”.
“لماذا لم يخبروني أن الوضع بهذا السوء؟”.
“لماذا استمر ذلك الطبيب اللعين في وصف نفس الأدوية بعد أن أخذت جرعة زائدة في المرة الأولى؟”.
وأكثر شيء: هذا غير حقيقي. هذا لا يمكن أن يكون حقيقة.
سبب للكتابة
مع قصة “تامي”، رأيت نفس ذلك الإحساس بصعوبة تقبل أمر ما، رغم أن مشاعرها لم تكن ظاهرة، إذ إن أغلبنا يتوقع وفاة خالاتنا وآبائنا قبل وفاتنا، لكن ليس في مثل هذا السن وليس بهذه الطريقة.
أجريتُ لقاءات مع أفراد عائلات فقدوا أطفالًا ومراهقين أو شبابًا راشدًا نتيجة جرعات زائدة، وعادة ما تكون آلامهم حديثة وخام بدرجة أكبر، أما زوجة والد تامي، بيث، فكانت قد توفيت في عام 2012، ومن ثم فقد مرت على وفاتها عدة سنوات، ومع ذلك فقد دمعت عيناها بعد قليل من التقصي والدخول في التفاصيل. كانت “بيث” ممرضة، ووصف لها الأفيون للمرة الأولى من أجل صداع نصفي مزمن، وانتهى الأمر بأن أدمنته، ورغم أنها حاولت التعافي عدة مرات، فقد باءت محاولاتها في النهاية بالفشل.
حدثتني “تامي” عن العديد من الأفكار المتناقضة، التي تخطر إلى المرء عندما يكون محبًا لشخص يعاني من الإدمان، فكررت أكثر من مرة جملة: “كان حريًّا بها أن تكون أكثر وعيًّا من ذلك”. كانت هناك مشاعر بأن الأمر خطأ “تامي”، أو بأنها لم تقم بما يكفي لمساعدتها. في بعض الأحيان، يبدو أن موتهم بهذه الطريقة كان حتميًّا، وفي أحيان اخرى، يبدو حدثًا عشوائيًّا شديد الظلم. وكان التعرض لكل هذه المشاعر صعبًا، حتى مع هذه القصص التي ظللت أكتبها خلال عدة أعوام. يجعلني الأمر أكثر حرصًا وأكثر بطئًا، على ما أعتقد، لأنني أقوم بالكثير من التغطية قبل أن يتعين عليَّ أن أستريح من أجل الحفاظ على قواي العقلية.
تحدثنا لمدة ساعة تقريبًا، وأنا أحتسي الشاي، على طاولة مواجهة للحائط. تركني هذا اللقاء محطمًا بعض الشيء، لكن مع شعور بحاجة إلى سرد الحكاية، لأنه حتى إن انتهى الأمر بأن “بيث” هي مقدمة الرعاية الصحية الوحيدة التي وجدت لها تطابقًا في قائمتي، فقد كانت قصتها سببًا كافيًّا لأن أكتب شيئًا، حتى لو لم أكن أعرف كيف يبدو هذا الشيء بعد.
التحديق إلى الشاشة
دائمًا ما كان يتم تأجيل الموضوع، إما بسبب ضغوطات التغطية اليومية أو لمجرد أنني أظل أقنع نفسي بعدم كتابته لشعوري بأنه مشروع فاشل. لم تكن لدي أي خبرة في تدقيق قاعدة بيانات مثل تلك التي أنشأتها، وكنت أعمل عليها في لحظات غريبة، وأبعث العديد من رسائل البريد الإلكتروني إلى محررين وصحفيي بيانات أكثر خبرة، أسألهم فيها وأنا خائفة إن كنت أتبع منهجًا سليمًا في عملي.
كان أول ما فعلته هو استبعاد التطابقات قدر الإمكان، فقمت يدويًّا بمراجعة هذه التطابقات التقريبية، حتى أتأكد من أن تواريخ الميلاد متطابقة وأن تطابق الأسماء كان حقيقيًّا، بما في ذلك الاسم الأوسط أو الحروف الأولية -أينما وجدت، وقد تجعل هذا القائمة تقل حوالي 20%.
وفي مارس، تقدمت بطلب إلى وزارة الصحة من أجل الحصول على قائمة بتواريخ ميلاد حفنة قليلة من العاملين في تقديم الرعاية الصحية الذين لم يدرجوا في قاعدة بيانات المؤهلات، ومن ثم قمت بإضافتهم يدويًّا وقارنتهم بسجلات الوفيات.
في تلك الشهور القليلة الأولى، أيضًا، تواصلت هاتفيًّا مع عدد من الأشخاص الذين كنت أعلم أنهم يعملون في علاج الإدمان والبحث، في برنامج التعافي من المواد الأفيونية بمديرية الصحة وبعض الباحثين في جامعة ولاية واشنطن. استهدفت برامج علاج الإدمان الخاصة بالأطباء في الولاية “برنامج الصحة للأطباء في واشنطن” وبرنامجه الخاص بالممرضين وغيرهم من العاملين في تقديم الرعاية الصحية “الخدمات المهنية الصحية بواشنطن”. تحدثت مع المدراء بشأن الاثنين، وطلبت السجلات التأديبية الخاصة بوزارة الصحة ذات الصلة بحالات بها شبهة تناولها عقاقير وانحراف مسار، لفترة مدتها خمس سنوات، إذ كنت أريد أن أعرف إذا كان أي من العاملين في تقديم الرعاية الصحية، ممن كنت أبحث في أمرهم وتعرض للوفاة بسبب جرعة عقار زائدة، قد تم التبليغ عن أو الاشتباه في استخدامه للعقاقير.
كنت أعود إلى بياناتي في أوقات غريبة، وفي بعض الأحيان كنت أتركها شهورًا دون أن أنظر إليها، وكنت أشعر بالذنب في كل مرة أفعل ذلك، وكان يتعين عليَّ إنجاز المزيد لأستكمل ما قمت به بالفعل، متذكرًا وضع طلبات السجلات العامة، معيدًا قراءة الملاحظات التي كنت أدونها أثناء اللقاءات.
أغلب الوقت، لم أكن أفعل سوى التحديق إلى شاشتي معتقدة أنني لا أمتلك قصة. كان لدي جانب مأساوي وبعض الوفيات، لكن لم يكن هناك دليل دامغ. ورغم أن برامج علاج الإدمان بالولاية لم تكن مثالية، فإن كلا البرنامجين كان بهما معدلات نجاح عالية، إذ إن عدد الأطباء والممرضين، الذين كان يتم علاجهم كل عام، كان أكثر بكثير من أولئك الذين كانوا يتوفون بسبب جرعات زائدة.
ولأنني كنت أعمل بمفردي، فقد عانيت بسبب ذلك كثيرًا. هل تستحق هذه القصة أن تُسرد حتى؟ إذا كان كل ما أملكه هو عشرات الوفيات على مدار بضع سنوات، هل يهم؟ بالطبع، كان شعوري الشخصي هو أن كل حالة وفاة مهمة، وكان بإمكاني إقناع المحررين بهذه القصة، لأنها كانت تتناول وفيات ممرضين ومستشاري إدمان، وقد أعطتني جملة التنزه المتكررة “كان حريًّا بهم أن يكونوا أكثر وعيًّا من ذلك” تحديًّا إضافيًّا؛ كيف تسرد قصة تجعل القراء متشوقين بسبب فكرة “كان حريًّا بهم أن يكونوا أكثر وعيًّا من ذلك”، وتشرح كيف أن الأمر ليس بهذه السهولة؟ وكيفية تجاوز هذه الوصمة؟
بحلول خريف 2017، كنت قد سئمت انتقاد نفسي وأن القصة عالقة في رأسي، فوضعت هدفًا أن أنهيها بنهاية العام، وإذا كانت القصة التي أمتلكها عبارة عن بعض الأرقام المثيرة وموت “بيث”، فهذه هي القصة التي سأسردها. وهكذا، على مدار بضعة أسابيع في نوفمبر وديسمبر، كرست الوقت من أجل إعادة التدقيق والانتهاء من تقريري.
الاقتراب من النهاية
كانت قاعدة البيانات الخاصة بحالات الوفيات التي من المحتمل أن تكون قد توفيت بسبب جرعة زائدة، لا تزال غير مرتبة بعض الشيء، وكنت أعلم أنني بحاجة إلى أن أتخذ قرارًا بشأن مجموعة واضحة من معايير التحقق، إذ إن الكثير من التطابقات الخاصة برخص تقديم الرعاية الصحية كانت منتهية، وكان يمتد عمر بعضها لعقود، بينما كان البعض الآخر قد انتهى حديثًا نوعًا ما. تركتهم جميعًا، في بداية الأمر، لكنني قررت في المرحلة الأخيرة أن أقصر القائمة على الأشخاص الذين كانت رخصهم لا تزال صالحة وقت وفاتهم، وهكذا أصبح عندي 70 تطابقًا.
أخيرًا، قررت التحقق من كل حالة وفاة عن طريق نعي يتطابق فيه تاريخ الوفاة وشهادة الوفاة ويُذكر فيه اسم وظيفة أو مكان عمل يؤكد أنهم كانوا يعملون في تقديم الرعاية الصحية. عملت وفقًا لمعايير عالية جدًّا، لأنني لم أكن أريد أن أبالغ في المشكلة أو أن أعطي إيحاءً بأن أحدًا قد توفي بسبب شيء شديد الحساسية ويترك وصمة، إلَّا إذا كنت متأكدًا تمامًا. واستنادًا إلى هذا المعيار، استطعت أن أتحقق من 33 تطابقًا من أصل 64، وذكرت في القصة أن لدي ما يقرب من 30 تطابقًا آخر، ولكنني لم أكن أرغب في أن يخرج ذلك بهدف الإثارة، وأردت أن أكتب قصة مهمة عن هؤلاء الأشخاص، سواء كانوا 3 أو 300.
وفي الفترة التي كنت أتحقق فيها من تلك الأمور، تواصلت مع بضع عائلات أخرى، ووصلت إلى حالة جرعة زائدة في النطاق المحلي كانت “موسكو-بولمان دايلي نيوز” قد كتبت عنها بشكل مختصر، واستطعت أن أضيف تفاصيل شخصية، في طيات التحقيق والنعايا التي وجدتها، استطعت الحصول عليها من أشخاص كانوا مجرد أسماء على جداول بيانات، لشهور.
كانت بيث، زوجة والد “تامي”، هي محور القصة، وحاولت أن أحيك إحصاءات ومعلومات كنت قد جمعتها، حول قصتها، من أشخاص آخرين، حتى يكون هناك توازن جيد بين البيانات والجانب الإنساني في القضية.
بعد القصة
لم تكن لدي أدنى فكرة كيف سيتم استقبال القصة، وقد لاقت القصة النهائية المنشورة نسبة قراءة عالية على الإنترنت، وأعيدَ نشرُها في “تاكوما نيوز تريبيان”، لكنني لم أتلق تعليقات بنفس ما كنت أتلقى غالبًا على قصص أكبر. شكرني بضعة أشخاص لأنني قمت بتسليط الضوء على القضية وتحدثت عن برامج العلاج. وعلق بعض الممرضين، قائلين إنني عرضت المهنة بطريقة غير عادلة، وهو أمر لم يكن مفاجئًا. بدوري، قمت بما أعتقد أن معظم الصحفيين يقومون به مع ردود فعل مشابهة؛ قمت بالرد عليهم بقولي إنني أتفهم مخاوفهم وأشرت إلى ذلك الجزء من النص الذي كنت أوضح فيه أن هذا لا ينطبق على أغلب الممرضين أو حتى الكثير منهم، وإنما بعضهم وأن هذا أمر مهم.
بعض أفراد عائلات مقدمي الرعاية المتوفين (أشخاص كنت قد تواصلت معهم أثناء التحقيق) قاموا بالرد بعد أن نشرت القصة، وقالوا إنهم مستعدون لإجراء لقاء. شكرتهم وأرسلت إليهم الرابط والبيانات التي كانت معي حال كانوا يريدونها.
علقت والدة أحد الممرضين المساعدين الذين كانوا قد ماتوا في عام 2013: “أتمنى أن تكون قصتك عونًا للآخرين”.
من الممكن أن يكون التأثير ضعيفًا ومبهمًا؛ أحيانًا لا تتغير أي قوانين، وأحيانًا لا يستقيل أحد، إلَّا أن أقصى أملي هو أنها قد نُشرت، وربما شجعت شخصًا أن يحصل على الرعاية أو أن يتحدث إلى زميل عمل.
يقول أصدقائي إنني أقسو على نفسي، وربما يكون هذا صحيحًا. إن مجتمع صحافة البيانات صغير جدًّا ومتماسك، وهي نعمة رائعة عندما تكون بحاجة إلى شخص تتحدث إليه في أفكار، ولكنه يعني أيضًا أنني دائمًا أحكم على نفسي، مقارنة بأشخاص أنظر إليهم باعتبارهم أقراني، رغم أنهم يمتلكون أعوامًا أكثر من الخبرة وفرق عمل أكبر ومصادر أوسع. ولهذا، كان من الصعب أن أعمل بجهد كبير في شيء أؤمن بأهميته ولا يلقى سوى صدى ضعيف.
بشكل شخصي، فإن كل شيء أكتبه عن هذا الموضوع يشعرني بأنه مساهمة قليلة في الدفاع عن خالتي، وإذا كان أي شيء أكتبه هو الجسر بين شخص بحاجة إلى علاج من الإدمان ومصدر من الممكن أن يبقيه حيًّا، فمن المحتمل أن يساهم هذا في تقليل عدد حالات الوفاة حالة واحدة، وهذه هي الفكرة التي أحاول الركون إليها عندما ينتابني شعور بأن العمل الذي أقوم به غير مهم.
____________________________________________________
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولي في سورس، وهو مجتمع ومركز توثيق للمبرمجين والمصممين والصحفيين والمحررين الذين يعملون على تطبيقات إخبارية ومشروعات صحافة بيانات في مؤسسات إخبارية. وأعيد نشره هنا بعد الحصول على إذن.
رايتشل ألِجزاندر هي صحفية مختصة بالشؤون الصحية والخدمات المجتمعية في سبوكس مان- ريفيو، ومهووسة البيانات التي يتم اللجوء إليها في غرفة الأخبار، وعضوة في مجلس تحالف واشنطن للحكومات المفتوحة ومؤسسة واشنطن نيوز نيردز، وهي مجموعة مكرسة لعمل ورش عمل قليلة التكلفة عن صحافة البيانات في شمال غرب المحيط الهادي.