تعتبر سوريا من أكثر الدول خطورة وتهديدا لحياة الصحافيين. ويظهر ذلك في ترتيبها السيئ بحسب تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود لعام ٢٠١٨، إذ احتلت المرتبة ١٧٧ من أصل ١٨٠ دولة في مستوى حرية الصحافة، لتأتي وراءها فقط تركمنستان، إريتريا وكوريا الشمالية. وتزامنا مع هذه الحقيقة يُوصف رئيسها بشار الأسد “بمفترس الحريات الصحافية“، نتيجة لمقتل أكثر من ٢٠٠ صحافيا منذ اندلاع الحرب السورية عام ٢٠١١.
إلا أن الحقائق المفزعة أعلاه، لم تثن محمد بسيكي، علي الإبراهيم، وأحمد حاج حمدو عن تأسيس وحدة سراج (صحافة استقصائية سورية من أجل المحاسبة) عام ٢٠١٦، لتكون أول منظمة استقصائية في سوريا.
مطلع هذا العام، حصلت سراج على جائزة مركز التوجيه الممنوحة من قبل المركز الدولي للصحافيين، والتي ساعدتهم في وضع هيكل إداري للوحدة كمنظمة صحافية غير ربحية. بميزانية لم تزد عن الصفر ومبادرات تطوعية من المؤسسين والداعمين، تمكنت الوحدة من تدريب ثلاثين من الصحافيين المحترفين والمواطنين، وإنتاج ما يقارب الخمسة تحقيقات تناولت الصراع، وحقوق الإنسان، البيئة، والصحة في سوريا.
وأضافة الى ما يُفرض على أعضاء سراج من مواجهة البيئة الشرسة والمعادية للصحافة في بلدهم. تبقى قدرات الفريق محدودة في الانخراط في فرص التدريب والتشبيك العالمية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تمت دعوة اثنين من المؤسسين الذين دفعهم الصراع للفرار من سوريا، للمشاركة في المؤتمر العالمي للصحافة الاستقصائية في جوهانسبورغ، إلا أن أحدا منهم لم يحضر. محمد بسيكي لم يتمكن من مغادرة مكان إقامته لعدم اتمام معاملات رسمية تمكنه من التنقل بحرية، أحمد حاج حمدو فشل في إمكانية العودة الى سوريا لتجديد جواز سفره خوفا من اعتقاله من قبل الحكومة هناك .
ورغم قتامة المشهد، تحولت المنظمة ذات الثلاثة أعضاء في غضون عامين، الى اتحاد يضم حوالي ٢٥ صحفيا ممارسا، منهم مدربين، وخبراء، وأكاديميين، يتولون مهمة انتاج القصة الصحافية الاستقصائية منذ بدايتها حتى النشر من خلال اشراف متكامل على يد فريق سراج التحريري، وذلك بالتعاون مع شركاء في المنطقة يدعمون عمل سراج عبر التدريب، الإشراف، التمويل والنشر.
المحرر العربي للشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية، مجدولين حسن حاورت محمد بسيكي، أحد المؤسسين سراج ورئيس تحريرها، ليخبرها الأخير عن رؤية الوحدة، هويتها، عملها، وأحلام العاملين فيها.
ما هي وحدة (سراج)؟ –
مهمة سراج إنتاج تحقيقات استقصائية عن سورية، من قبل صحافيين سوريين مهنيين وأكاديميين يتلقّون الدعم من الوحدة، إلى جانب تدريب صحفيين سوريين وناشطين إعلاميين ومواطنين صحفيين على منهجيات الصحافة الاستقصائية وتطورها في الإقليم والعالم.
تهدف سراج الى تدريب الصحافيين السوريين على أبجديات صحافة البيانات واساسيات الصحافة الاستقصائية، وتكنيك البحث الأولي وأسس كتابة الفرضيات، وأنواع المقابلات الصحافية. يباشر الصحافيون بمجرد تلقيهم التدريب اللازم، إنجاز تحقيقات بمعايير عالية بإشراف مدربين من الوحدة .
كيف بدأت الفكرة؟ –
الحاجة لكشف الحقائق، وتعزيز المحاسبة، ومتابعة المعلومات وكشف خفاياها بشكل مهني وغير منحاز، كانت الدافع الأساسي لوجود صحافة استقصائية سوريّة مستقلة وغير مرتبطة بجهات سياسية أو حكومية، وخاصة بعد أن دخلت البلاد في الفوضى التي أدت إلى تفافم مستويات الفساد السياسي، والاقتصادي، وكذلك الاجتماعي.
كما أنّ الحاجة للمعلومة الدقيقة الموثقة التي ينتظرها الجمهور السوري والعالمي حول الأوضاع في البلاد بعد أن قفزت سوريا إلى سلم أولويات أجندات وسائل الإعلام العالمية، كرسّت ضرورة الصحافة الاستقصائية.عزز التفكير باتجاه تأسيس سراج عامل آخر، وهو: عدم وجود هيئة أو منظمة إعلامية سورية تستوعب الصحفيين الاستقصائيين السوريين الذين ينتشرون داخل سوريا وخارجها، وتستفيد من خبراتهم وتحفزهم على الاستمرارية بالإنتاج كل من مكانه.
ما المؤهلات الضرورية للعمل الاستقصائي داخل سوريا سواء من حيث المهارات، التدريب،المنهجية الخ؟ –
أحد أهم المؤهلات هو المعرفة بطبيعة المكان وطبيعة المجتمع الذي ينجز وسطه التحقيق الاستقصائي، سوريا الآن مقسمة بين كيانات تنصب العداء لبعضها البعض، وهذا يجعل العمل غاية في الصعوبة.
الصحفي الاستقصائي السوري بحاجة إلى فهم طبيعة الصراع ومآلاته، لكي يتمكن من التحرك والاستنتاج حتى تكتمل الصورة لديه، لأن الربط والتحليل يساعد على شرح الصورة للقارئ في الداخل والخارج.
مع الأخذ بعين الاعتبار خطورة ممارسة صحافة مستقلة في سوريا، ما القصص الممكن تغطيتها هناك؟ –
أدت الحرب في سوريا الى فرار أعداد كبيرة من الصحافيين خارج البلاد نتيجة الخوف من القتل المستمر، والاعتقال والتهديدات التي يتعرض لها العاملون في قطاع الإعلام يوميا. في سراج نعمل على التشبيك بين الصحافيين العاملين في الخارج والذين ما زالوا يقيمون في الداخل .
وبعد مضي عام ونصف تقريباً على تأسيس الوحدة، أنجزنا 5 تحقيقات استقصائية من مختلف المناطق السورية، في مجالات الصحة، كتحقيق “سم في الهواء الطلق” الذي استقصى تعرض سكان مدينة القامشلي شمال شرق سوريا لأمراض مزمنة تسبب السرطانات في الأجهزة التنفسية وخاصة للأطفال والحوامل، بسبب استنشاق غازات سامة مصدرها مولدات الكهرباء العاملة على الوقود، في ظل انقطاع الكهرباء النظامية وتدمير شبكات النقل ومولدات المركزية.
وأنتجت الوحدة تحقيقا استقصائياً بعنوان “المبضع القاتل” بالتعاون مع شبكة أريج (إعلاميون عرب من أجل صحافة استتقصائية عربية) حيث رصد معاناة مواطنين في مستشفيات سورية حكومية عامة وخاصة، من أخطاء الأطباء المميتة والتي أودت بحياة عدد من المرضى، وتمكن الأطباء من الفرار خارج البلاد في ظل عدم وجود قانون للأخطاء الطبية في سوريا.
وفي شهر أيار/ مايو ٢٠١٨، أنتجت سراج وبالتعاون مع منظمة “سوريون من أجل العدالة والحقيقة“ تحقيقاً استقصائياً حول معاناة سوريين من مصادرة هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً في إدلب لمنازلهم بتهم مختلفة وعدم قدرة هؤلاء على استرجاعها، وهو ما يتعارض مع مبادئ القانون الدولي في ظل الحروب والنزاعات.
وفي نوفمبر 2017، أنتجت سراج تحقيقاً نشر على موقع درج، حول معاناة مرضى السرطان وخاصة الأطفال من سكان الغوطة الشرقية في دمشق والذين يقبعون تحت حصار عسكري من قبل النظام السوري، بسبب نقص إمدادات الأدوية ومنع إدخالها، ما يعرضهم للموت المحتم بسبب نقص العلاج.
وهناك قصة اخرى حول انتشار ظاهرة تجنيد الأطفال وزجهم في المعارك في صفوف التنظيمات المتشددة في سوريا عبر استخدام الدعاية المنظّمة واستغلال الحاجة المادية في ظل تعاظم مستويات الفقر في البلاد، ولا شك أن استغلال الأطفال والمستضعفين قد يكون أحد أشد الجوانب قتامة في الصراع.
هل واجتهم حتى الآن آية ضغوطات من قبل طرف ما؟ –
نحن جهة مستقلة ولا نرتبط بأي طرف، التحرك داخل سوريا يكون عادة بهوامش محدودة، في بعض المناطق لا يمكن العمل مطلقا، حرية الإعلام معدومة هناك. إن عدم وجود قانون أو جهة تحمي الصحفيين داخل سوريا يجعلنا نتوقف عن العمل احيانا، وقد حصل معنا وقتلنا عددا من القصص بسبب المخاطر العالية المحتملة.
هل يفرض عليكم العمل داخل سوريا منهجيات عمل مختلفة غير تقليدية؟ –
بالتأكيد الأمور تغيرت كثيراً، وأصبحت أدوات وطرق التواصل مختلفة إلى حد كبير، كل شيء أصبح عبر العالم الافتراضي بدلا من آن نكون تحت سقف واحد في مكتب متخصص للاجتماعات، في مدينة سورية.
في الواقع وجدنا أنفسنا مجبرين على البحث عن طرق بديلة، فلقد فرضت علينا ظروف التنقل وعدم القدرة على السفر إلى كثير من البلدان وصعوبة استصدار تأشيرات السفر، الى الاعتماد على المنصات الإلكترونية التعليمية، نجحنا الى الآن في إقامة ثلاث ورشات تدريبية حضرها أكثر من 30 صحفيا وناشطا إعلاميا تناولت: “الجندر و الصحافة الاستقصائية في فبراير 2017، أساسيات الصحافة الاستقصائية في آب 2017. وورشة ثالثة حول صحافة البيانات في نيسان الماضي.
كيف من الممكن ان تتجاوز سراج مرحلة التطوع والشروع في إيجاد مصادر تمويل؟ –
نحن بحاجة في هذه المرحلة إلى إثبات وجودنا كمؤسسة إعلامية مستقلة تقدم منتجاً نوعياً ومميزاً على الساحة السورية والعربية.وبالنسبة للتمويل فإننا في صدد إبرام شراكات ومذكرات تفاهم مع مؤسسات إعلامية وشركاء. لقد كان لمؤسسة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)، دورا في جعل سراج حقيقة على أرض الواقع، وذلك بسبب ما قدموه لنا من دعم واستشارات. بطبيعة الحال فإن الاستدامة والحصول على تمويل هو محور مهم نعمل عليه بجدٍية في سراج .
مجدولين حسن، المحرر العربي للشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية، أنتجت حسن قصصا استقصائية في مجالات حقوق الانسان، التنمية، وحق الحصول على المعلومات. وحصلت على عدة جوائز عربية، وعلمت كمنسق اقليمي وباحث رئيسي مع عدد من المنظمات العالمية ، وتعتبر أول مواطنة آردنية ترفع قضية ضد الحكومة عام ٢٠١٠ لحجبها معلومات لغايات تحقيق استقصائي اختبر قانون حق الحصول على المعلومات في الأردن.